*توفي يوم الأحد أحد أنقى وأطيب الأشخاص على الساحة الفنية، وهو الصديق العزيز، المخرج الفلسطيني سمير متري خوري (أبو فادي)، عن عمر ناهز 76 عامًا، وسيشيع جثمانه غدًا الثلاثاء 7/8/2023 الساعة الثالثة بعد الظهر من كنيسة القديس يوحنا المعمدان للروم الأرثوذكس في حيفا.
منذ دخولي إلى العمل المسرحي كمحترف، تعرفت على الفنان سمير خوري، ولقد كانت بيننا مودّة خاصة، حتى آخر أيامه، وقد عملت معه ولديه في أكثر من مسرحية، ورغم أن العمل توقف بيننا في السنوات الأخيرة، إلا أنّه كان دائما يسأل عني وفي كل مناسبة يرسل لي هدية مع ابنه فادي. ولسمير وبتأثير منه، أخوة يعملون في المجال الفني، مثل إدوار وهنري وحاتم، ولا أنسى ابنه فادي، الذي واكب جميع أعماله كتقني صوت واضاءة وديكور، وأيضا ابنته كرستينا التي عملت معه فترة طويلة في الأعمال الإدارية.
لم يعرف سمير خوري اللف والدوران والتحايل كما هو سائد في الوسط الفني، كان مديرا في مسرح الكرمة في منتصف الثمانينات، وترك العمل هناك لرفضه الخوض في الفساد الذي كانت تتبعه الإدارة في ذلك الوقت، وخرج ليأسس مسرح “جبينة” في عام 1986، كمسرح عربي مستقل ومهني في الوسط العربي. ثم قام بتسجيله كجمعية مسجّلة عام 1991 بهدف تطوير المسرح العربي التربوي المستقل. ومنذ ذلك الحين، أنت العشرات من المسرحيات للصغار والكبار، وكان لي الشرف أن أقوم بدور البطولة في مسرحية “دونكيشوط”، التي أنتجها مسرح سمير خوري في منتصف التسعينات، وقد لمست فيه حب العطاء، وعمله الدؤوب على احتواء كل الممثلين الشباب خريجي معاهد المسرح حديثا، فمن عنده انطلق العديد من الممثلين إلى مسارح أخرى ومنهم من أسّس مسارح أخرى منافسة.
في سنواته الأخيرة، أهتم سمير خوري بمسرح الطفل، وقد أصبح من البارزين في مسرح الدمى وشارك في العديد من المهرجانات الدولية والمحلية، وحاز على العديد من الجوائز.
وفي لقاء صحفي له، يقول خوري: “يختلف مسرح الأطفال عن المسرح الموجّه للكبار. فمنذ نشأته، يمارسُ الطفل المسرحَ عن طريق محاكاة الكبار كلعبة “بيت بيوت” وغيرها من الألعاب التي يتقمّص بها شخصيّات واقعيّة وخياليّة مختلفة. ومسرح الأطفال يجسّد قصصًا وأساطيرَ سيصطدم بها الطفل حين بلوغه سنّ الرشد، وعلى هذا المنوال فإنّ بعض القصص تحاكي الطبقات الارستقراطية وأخرى الفقيرة، والمشاكل المتعلقة بالظروف السياسيّة والمجتمعيّة والاقتصاديّة”.
يرى خوري أنّ مسرح الأطفال العربيّ في الداخل الفلسطيني يعيش مهزلة، فهناك صعوبات تحيل دون إعطاء الطفل ما يستحقّه من مضامين بسبب أنّ المسؤولين عن الطفل في المدارس العربيّة يعتبرون المسرح في آخر أولوياتهم؛ فهم يجلبون المسرحيات لملء حصص الفراغ فقط. هذا عدا عن فشل مشاريع عدّة بالمدارس جرّاء تقاعس المعلمين والأهالي على حدٍ سواء، إذ يعتبرون المسرحيات هامشًا في تربية الطفل وتثقيفه. ولا ينحصر الأمر في هذا: القسم الأكبر من العاملين في المسرح أصبح تجاريًا ويريد تغطية مصاريفه، فيقومون بعرض 100 مسرحيّة في العام لأخذ ميزانيات أكبر، ويعرضون في السّاحات المدرسيّة غير المهيّأة والمجهّزة من أجل تسجيل أكبر كمّ من الطلاب”.
ويختتم حديثه: “نحن في مسرح “جبينة” لا نعرضُ إلّا في المسارح المهيّأة ونمتنع عن الساحات، حتى أنّ بعض القاعات المدرسيّة غير مهنيّة وتفتقد للوازم المسرح، ولكنها تبقى أفضل من الساحات تحت أشعة الشمس والمفتقدة لأدنى تجهيزات العروض”.
هذا هو سمير خوري، الذي أسعدني كثيرا عندما عملت في مهرجان “مسرحيد” على تكريمه تقديرا لكل ما قدمه للمسرح الفلسطيني… لروحك السلام ولجميع المبدعين والمعطاءين من بعده طول البقاء.