في منتصف تشرين الثاني من العام 1953، وقّع وزير المالية الإسرائيلي آنذاك، ليفي اشكول، على امر لمصادرة أراضي اللجون بحسب قانون “اقتناء الأراضي” الاستبدادي من العام 1953، وقد شمل الامر 34 الف دونم (!!) من الأراضي التي تعود ملكيتها بغالبيتها الى أهالي ام الفحم. وجاء قرار المصادرة بعد ان كانت السلطات الإسرائيلية الرسمية والعسكرية قد منعت أصحاب البيوت وأصحاب الأراضي من العودة اليها بعد تهجيرهم منها بقوة السلاح إبان النكبة.
وقد بلغ عدد سكان قرية اللجون عشية النكبة حوالي 1300 نسمة، حيث شملت القرية على مدرسة ابتدائية، وخان، وعدد من الطواحين، كما وبادر اهاليها الى انشاء جمعيات تعاونية، وشركة باصات اللجون، وخزان مياه. وقطعت النكبة مسيرة التطور المتواصل للبلدة الذي بلغ ذروته خلال سنوات الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي، حيث شكلت البلدة محطة استراتيجية هامة في الطريق الواصل بين حيفا وجنين، وبين شمالي البلاد ومركزها.
جاء امر المصادرة بحسب التشريعات الاستبدادية ليضرب بعرض الحائط ليس فقط حقوق أصحاب الأراضي التاريخية على بلدتهم واراضيهم، وانما ايضًا تعهدات دولة إسرائيل امام المملكة الأردنية في اتفاقية رودوس الموقعة في نيسان عام 1949، والتي جرى بموجبها تسليم منطقة ام الفحم ووادي عارة كجزء من منطقة المثلث الواسعة الى نفوذ دولة إسرائيل، اذ تعهد الطرف الإسرائيلي بموجب الاتفاقية بعدم المسّ بحقوق الأهالي وملكيتهم للأراضي.
وطوال سبعة عقود ونصف، تُمعن السلطات الإسرائيلية بالتنكّر لحق الأهالي باستعادة أراضيهم والعودة الى بلدهم اللجون، كما وصادقت المحكمة العليا في عدة قرارات على هذا الظلم التاريخي (كما الحال في كافة القرارات الظالمة بحق أصحاب الأراضي الفلسطينيين)، بما في ذلك في قرارها الأخير من العام 2010 بعد التماس مؤسسة عدالة باسم الأهالي. هذا في الوقت الذي يناضل فيه أهالي ام الفحم وقراها (زلفة وسالم والبياضة ومشيرفة ومصمص ومعاوية) لتوسيع مسطح المدينة ومناطق نفوذها وهم في امس الحاجة للأراضي من اجل التطوير العمراني والاقتصادي، ومن اجل انجاز المناطق الصناعية والتجارية والمنشآت الحيوية العامة.
لا يمكن الحديث عن علاقة الدولة مع مواطنيها العرب الفلسطينيين، وخاصة في قضايا الأرض والمسكن، دون التأكيد على محورية الحقوق التاريخية والقومية لأهل البلاد الأصليين. هذه الحقوق هي الجروح المفتوحة في جسدنا كمجتمع أصلاني يناضل لاستعادة حقوقه التاريخية، كجزء ايضًا من حماية حاضرنا ومستقبلنا.
قضية المهجرين الفلسطينيين من أهلنا، المهجرين في وطنهم (“الحاضرون الغائبون”) الذين يشكلون حوالي ثلث المواطنين الفلســطينيين في البلاد، هي في صميم حقوقنا التاريخية، بحيث تشكل قضية عودتهم إلى بلداتهم الأصلية واستعادة أراضيهم محورا مركزيا بهذه الحقوق.
ترتبط حقوقنا التاريخية ارتباطًا وثيقًا بقضية الأراضي التي صودرت ظلما وإجحافًا من أصحابها الفلسطينيين، بما في ذلك تحت استبداد الحكم العسكري في العقدين الأوليين لقيام الدولة، بحيث فقد المواطنون العرب الفلسطينيون ما شكل لهم العمود الفقري لوجودهم، من مصدر رزق، أحيانا، وفرص حيوية للبناء والتطوير، أحيانا أخرى. واصبحت البلدات العربية المتبقية داخل إسرائيل شبه “غيتوات” تعاني من الاختناق اجتماعيًا واقتصاديًا وثقافيًا، وذلك في إطار المخطط المنهجي الرامي إلى محاصرة الوجود العربي في البلاد في ظل تعميق مشاريع التهويد.
وهكذا، فما يُحرم منه أهلنا طوال السنين في منطقة وادي عارة، مثلًا، يتم توفيره بسخاء في بلدة حاريش حديثة العهد، من عقارات للسكن، ومناطق صناعية، وبنى تحتية، ومؤسسات جماهيرية وميزانيات تطوير ورفاه اجتماعي. وما يُحرم منه أهلنا في الناصرة وعين ماهل والمشهد والرينة وكفر كنا، يتم توفيره بمخططات حكومية “سخيّة” في نوف هجاليل، وما يُحرم منه أهلنا في سخنين وعرابة ودير حنا وعيلبون، يتم توفيره دون عناء في ميسجاف وكرمئيل.
في هذه الظروف من التنكّر لحقوقنا التاريخية وتشديد الخناق على ما تبقى من أراض لقرانا ومدننا العربية، تصبح العودة الى بلداتنا المهجرة ليست فقط حقًا تاريخيًا من حقوقنا الجماعية، بل حاجة حياتية حيويّة من اجل ضمان الحياة الطبيعية لكل أهلنا ومن اجل مستقبل الاجيال.
لا يضيع حق وراءه مطالب. نلتقي غدًا على أراضي اللجون في مسيرة العودة.
اللجون ترحب بكم.