راحت كلّ مساعيّ أن أقنع جارنا كيّ يجد لنا “صرفة” مع الكلب الذي اقتناه لولده كادعائه، هباءً. فالكلب غريب عن فصيلة كلاب بلدنا المعروفة بهدوئها النسبيّ ولطافتها ووفائها أبّا عن جد، أمّا كلب جارنا ففصيلته غريبة وشكله غريب، شرس ونبّاح لا يهدّئ لنا بالًا ولا راحة، وعرفت بعد لأْيٍ أنّه من فصيلة اسمها البولدوج، الأجنبيّة طبعًا.
لم أفهم، وبقيت كذلك، لِما اختار ابنُ جارنا أو جارُنا هذا الكلب المفلطح الوجه قبيحَه، الشرس، المخيف والنبّاح. ومع هذا أخمّن أن جارنا قد دفع فيه المبلغ “الفلاني”، فسعر الكلاب في زمن “التحضّر الكلبيّ” مرتفع والله منعم على جارنا، إذا كانت كثرة المصاري من عنده جلّ جلاله كما يقول أصحابها. المهم أنّ جارنا هذا اقتنى هذا النوع رغم أنّ كلاب بلادنا سائبة لا تجد من يظبّها، وتتعرّض للكثير من الضرب بما أوتي لنا ولأولادنا من أدوات عنف والحجارة في المقدّمة. نضربها عادة، ولسوء تصرّفنا، لسبب ودون سبب، وفي سياقنا بحجّة نبشها حاويات الزبالة وهي تفتّش عن بعض غذاء فيها صارت تنتقيه انتقاء بعد أن صرنا نرمي منه أكثر ممّا نأكل، لدرجة أن صار ما يُرمى يكفي كلاب الحارة والخنازير الجارة.
وجدت أمام هذا الوضع الجديد في الحارة أن ثقافتي “الكلابيّة” منقوصة ولا بدّ من تطويرها علّني أجد لي طريقة للتعايش مع كلب ابن جارنا النبّاح، فرحت إلى الشيخ جوجل استجدي وإذ بي أمام خبر هامّ يخصّ كلبنا البلدي الجْعاري يرفع من قيمته وقيمتنا بالتالي وربّما يفي غرض جارنا، يقول الخبر:
حاز الكلب البلدي “الجْعاري” أمس على أوّل اعتراف رسمي له كفصيل مستقل في عائلة الكلاب، بحيث يتمتع بكامل حقوقه العالمية كحيوان. وفي حين اقتصر إدراج الجْعاري على مقعد مراقب غير كامل العضوية، إلا أنّ هذه الخطوة من شأنها أن تضمن للكلب الجْعاري مجموعة من الحقوق التي قد تتعارض وهوايات شعبية عديدة.
ويأتي هذا الادراج “بعد جهود دبلوماسيّة حثيثة لجمعيّة حماية الحيوان” بحسب المتحدث باسم الجمعيّة، والذي أضاف: “أنّه كلب ممتاز أثبت جدارته في الأزقة والشوارع إضافة إلى الحقول والمزارع”. وفي تعليق لرئيس اللجنة المنظِّمة جاء: “نحتفل اليوم بإنجاز ناقص، فالجْعاري ليس الحيوان الوحيد الذي حرم لسنين من الادراج. هنالك الكثير من الحيوانات والكلاب الذكيّة في الشرق الأوسط والتي لا تحظى بالاعتراف الرسمي إما لصعوبة الوصول اليها، أو لارتكاب هذه الحيوانات نفسها جرائم حرب، ممّا يضعف امكانية حماية هذه الحيوانات.”
شعرت ببعض زهوٍّ وأنا أزيد هذا على ثقافتي “الكلبيّة” لأنّي من حبّي لبلادنا قدّرت أنّ مكانة كلبنا الجْعاري سترتفع بهذا الاعتراف الغربيّ المبارك وسنرتفع معه. وبين سرّي وخاطري اشتفيت بجارنا على هذا الثقب الثقافيّ في ثقافته، إذ كنت متأكّدّا أنّه ورغم كثرة “مصاريه” كان سيفضّل الجْعاري لو كان اطّلع على هذا الاعتراف المبارك، لأنّ ذلك كان سيوفّر له بعض القروش، فهكذا هم أصحاب القروش، رغم وفرتها لديهم.
ولكن ما فاجأني لاحقًا أن جارنا هو وراء اقتناء الكلب، لا بلّ وإذا به بعد مدّة أضاف آخر أخًا للكلب من نفس الأب والأم البولدغيّين حسب ما تواتر من معلومات. وأكثر من ذلك تبيّن من صغار القوم أنّ جارنا اقتنى الكلبين للقيام بمهمّة “العواية” على جاره من الجهة المقابلة لإقلاق راحته لثأر له عنده أعلنه ولم يفصح بمكنونه لأحد. جارنا اقتنى الكلبين للمهمّة لأنّه، والحقّ يُقال، رجل “ملعون والْدين” له مكانة اجتماعيّة عزّزتها ثقافيّة وهاتان لا تتيحان له تناول الآخرين ب”نباح” لا صريح ولا مجازيّ حتّى لو أراد، وفي حالنا أراد ذلك بقوّة وأراده صريحًا، فوجد ضالّته في بولدغين لا يكلّفانه إلّا قليلًا من “الحسمسة” و”الطحمسة” وليس بالضرورة الماديّة، وبقايا أكل متوفّرة عنده في الأصل بكثرة مصيرها الحاويات.
بغض النظر عمّا عرفت من معلومات عن مشروع جارنا من مصادر مختلفة، وعمّا يخبّئ جارنا، طمأنني يوم توجّهت إليه شاكيًا الإزعاج حين قال: “أنا عارف فاصبر علينا كم يوم لينتهي الحوش وراء الدار، فالمهمّة هي في الاتّجاه الآخر!”
وجدت نفسي في نهاية المطاف، وقد زادتني كلاب جارنا ثقافة كلبيّة على الأقلّ، أضحك لزيادة أضفتها على ثقافتي هذه، وقائلًا لنفسي الآن فهمت ما الذي وقف وراء المقولة: “كلب يعوّي معك أحسن من كلب يعوّي عليك”، رغم أنّ ال”معك” هذه تطالك بمكان ما.
وما دمنا في الثقافة الكلبيّة وفوائدها فعرفت كذلك أنّي لم أكن أعرف كلّ وجوه استعمال هذه المقولة الكلبيّة، وهذه فائدة ثقافيّة أخرى جنيتها من كلاب جارنا البولدوج، فوجدت نفسي أقول لها بصوت مسموع صدق من قال أيضًا: “لا تكرهوا أمرًا لعّله خير لكم”، رغم أنّ في موقفي هذا في سياقنا انتهازيّة منّي!
سعيد نفّاع
أوائل نيسان 2023