خلود فوراني سرية –
نظم نادي حيفا الثقافي مؤخرًا أمسية ثقافية لإشهار ومناقشة كتاب “في جوف الحوت– تجارب فلسطينية في الجمعات الإسرائيلية”، الصادر عن دار ليلى للنشر، ومعهد فان لير في القدس بدعم سخي من المعهد. وقد حضر الأمسية جمهور غفير ازدحمت به القاعة من الأصدقاء والباحثين والمهتمين بالشأن الأكاديمي، من حيفا وخارجها من بلدات الشمال والمثلث والجليل حتى القدس.
افتتح الأمسية بالترحيب رئيس النادي المحامي فؤاد نقارة فبارك صدور الكتاب مشيرا لأهميته بمحتواه المعرفي في الشأن الفلسطيني.
أدارت الأمسية وتولّت عرافتها الناشطة الثقافية خلود فوراني سرية، فجاء في تقديمها للكتاب: ” هو كتاب رياديّ في محتواه، هو حركة حياة في جوف الظلمة، هو حدث فكري مُلهِم، يخرج القارئ منه بأسئلة معرفيّة مدركًا أن طرحها أهم من الإجابة عنها. هو مشروع فلسطينيّ غير اعتذاري في المؤسسة الإسرائيلية وهو مناداة لسؤال كيفية إيقاظ الفكر كما يليق بأهل الأرض الآن وهنا”.
وفي المداخلات، شارك أ.د يهودا شنهاف شهرباني بمداخلة عنوانها “المعرفية الاستعمارية” فقال إن هذا الكِتابُ هو حَجَرُ أساسٍ في الطريق لتفكيك استعماريّة المؤسّسة الجامعيّة، وهو يُنتِجُ معرفة للفلسطينيّين بالنظامِ الاستعماريّ. والطالب الفلسطيني الذي يواجه الاغتراب في كل مكان، بحاجة شديدة إلى هذا النوع من المعرفة. أما أصَالَةُ وأهميةُ “في جوفِ الحوتِ” تكمُنُ في ثُلَاثِ مستوياتٍ مِنَ المناقشةِ: المعرفيّةِ والسياسيّةِ والأخلاقيّةِ. وعن الجامعةُ والإبادةُ المعرفيةُ الاستعماريّةُ قال “في جوفِ الحوتِ” هامٌّ لأنّهُ يبدأُ أولاً بالاعترافِ بأنَّ الوضعَ الحاليَ، في الجامعاتِ وخارجَ جُدْرانِهَا، هو حالةً استعماريّةً، والمستوى المركزيُّ هو تطويرُ لغةٍ في ظلِّ الظّروفِ الاستعماريّةِ. أما العنفُ المعرفيُّ يكمُنُ بكَوْنِ معظمِ الإسرائيليّين يُنْكِرونَ هذه الحالةَ.
تلته الأخصائية الاجتماعية سماح عباس بمداخلة حول الكتاب بعنوان ” في جوف الحوت- تقاطع الأزمنة والمساحات” فقالت إنها ترى كتابا سرمديًا، يَلِج القارئ فيه مع كل ما يحمل من تجارب، مشاعر وأفكار، بمجرد النظرِ الى عنوانه وقد يخرج منه الى برزخ التفكير. مشيرة إلى أنه عمل يرى فلسطين أكبر من بعدها الجغرافي. وختمت بأسئلة ذكية حول الكتاب ربما تُلهمُ أعمالاً مُستقبلية: “هل يعقل اننا نحسب الحوت متينًا وجبار، لكن لربما يَفتِك بِجَسدِه سُقمٌ غَدار؟ أحسب اننا عامة من البشرٌ ولسنا كيونس عليه السلام، فهل نَعطِف على من تأكسد منا داخل هذا الحوت حتى ضاعت هويته بينَ الأنام؟ وماذا يُمثل هذا الحوت؟ فعلى فرض أن عظامَهُ هِي المَنظومَة الاستعمارية والنيو-ليبرالية للجامعات الاسرائيلية، فماذا يكون دَمُه وعَصَبُه؟ الذكورية مثلًا؟ وماذا يكون مُحيُطة الذي يسبحُ فيه، حتى ظَن البعضُ مِنا أًن المُكوثَ في جَحيمِ جَوفِهِ رَحمَة”.
أما الباحث أنطوان شلحت فجاء في كلمته أن الكتاب يشتمل على تشخيص دقيق وذي صدقية لتجارب فلسطينية في الجامعات الإسرائيلية إلى ناحية تحديد التحديّات (من الحدّة) التي تواجهنا كفلسطينيين في هذه الجامعات. ولكنه لا يكتفي بالتشخيص بل ينتقل إلى تقديم ما بالإمكان أن نعتبره بمثابة وصفة لمواجهة هذه التحديّات. وأن الكتاب يقدّم جبلًا من القرائن على الإجراءات التي تتخذها السلطة للتحكّم بالمعرفة في سبيل ترسيخ “فكرة إسرائيل” ضمن قالب مُسبق البرمجة والأدلجة تقف في جوهره بصورة مطلقة “قصة الخلاص والبطولة وعدالة التاريخ”، وذلك في مقابل الفكرة المُضادة القائلة بأنها تمثّل كل ما هو متعلّق بالاضطهاد والتهجير والكولونيالية والتطهير العرقي.
وفي كلمة المحررين الشريكين، عبرت د. يارا سعدي إبراهيم بدورها عن شكرها للحضور والنادي. وعن الكتاب قالت إن هذا النتاج الفكري ذي المصادر المعرفية لهو ثمرة مسار لمجموعة فلسطينية من باحثين وباحثات في الدراسات العليا في العلوم الاجتماعية والإنسانية – في الجامعات الإسرائيلية ترأسها وأدارها الأستاذ د. خالد جمال فوراني واسمها ” الدفيئة النقدية للمهارات البحثية” أما فكرة الكتاب فانبثقت من نقاشات المجموعة حول سؤال شروط المعرفة الفلسطينية اليقِظة في سياق حاضر استعماري.
أما أ.د خالد جمال فوراني، فجاء بكلمته “إننا نأتي طلبة ومحاضرين للجامعات من حوت الدولة إلى حوت الأكاديميا التي تلتهم الطلبة الفلسطينيين أيضا لربما جسدا أحيانا، ولكن غالبا ما فكرا، طالما كانت بوصلتها أو عمادها هي معارف غربية غير قادرة على مخاطبة المعارف الأهلية ها هنا. وبين الحوتين هذين على الأقل كانت “دفيئتنا” وهو ملعقتنا – ملعقة الحرية – التي مدها لنا بجوده المعهود معهد فان لير حين أستضاف مجموعة من الطلبة الفلسطينيين ليبحثوا عن سبل انعتاقهم فكرا وفعلا من جوف الحيتان المحيطة بهم.
وختم قائلا، إن الكتاب الذي بين أيادينا مبني على حوارات، شهادات ومقارنات نأمل أن تتيح لقرائها سبيلا بل سبلا يتحد فيها فعلا الفكر والتحرر حتى نلج محيطات ولربما صحاري المعرفة كما يليق بنا، أهل هذه الأرض لا كما يشاء لنا مغتصبونا، أرضا وفكرا”.
بقي أن نذكر أن الأمسية أقيمت بدعم المجلس الملّي الأرثوذكسي الوطني -حيفا