أضواء استعراضية على كتاب قرى الموحدين الدروز المهجورة في الجليلين والكرمل

بقلم: مسعد محمد خلد

    عزيز الطائفة ابن معليا الجارة المؤرخ الجغرافي الدكتور شكري عراف والأستاذ مالك صلالحة الباحث، المرشد، الرسام، الشاعر، اجتهدا وكدّا وعملا على مدار سنوات من أجل إصدار هذه الدراسة التاريخية، والتي جاءت – كسابقاتها- بهدف توثيق القرى الفلسطينية المتنوعة بآثارها وتاريخها وأشخاصها وماضيها، والأهم تعزيز دورها التاريخي، خاصة التي لا زالت وستبقى شامخة صامدة في وجه التحديات والتغييرات التي تعصف بها، كغيرها من قرى ومدن تحت نير ظروف عصرنا الحالي الذي نعيشه وما يمليه علينا من تحديات ومخاطر تشد بنا كموحدين كما هو الحال مع غيرنا من أقليات نحو هاوية الانصهار وتسبب للبعض منا الابتعاد بل هجر الضوابط التوحيدية والتقاليد الأصيلة.

   وإذا ذكرت صديقي وزميلي أبا حسين مالك، فلا بدّ من تبيان دوره المميز من أجل خدمة مجتمعِنا المحليِّ خاصةً، والجماعيِّ عامةً، وَلأنّه – وكما قيلَ- لا نبيَ في بلدِه، لم أتأكد بعد، ولم ألمَس، بأن المجتمعَ قد عوّضَ على مبدِعِنا، ولو ببعضِ ردِّ جميلٍ، بل ربما طالَهُ كبعضِ آخرينَ، ممَّن ساهموا وأعطوا وضحّوا في مجالاتَ مختلفةٍ، وطبعا تمّ تجاهلَهم، والويلُ كلُ الويلِ لأمةٍ لا تُكرّمُ رجالَها وعظماءَها، ويلٌ لأمةٍ لا تحترمُ كبارَها، ولا تُساوي نساءَها، ولا تدوّنُ تاريخَها وآدابَها، لأنَّهُ حـَقٌ على المجتمعِ تكريمُ هؤلاءَ، وفي هذه المناسبة أقدّمُ له وللباحث المؤرخ شكري عراف الشكرَ الجزيلَ، على هذه اللفتة الحضاريّةِ الهادفَة.

أما بعدْ! وبعدَ كتاب “بيت جن عبرَ التاريخ” والذي استغرقَ عشرَ سنواتٍ من البحثِ، ليصدرَ عام 2001 ليكون رائدا في التأريخِ والتوثيقِ  لقرانا  ووجودنا في هذه البلاد، وعبارة عن مشروعِ حياةٍ بالنسبةِ للكاتبِ، (وكان لي الشرف بالمساهمة في إعداد بعض المعلومات والمعطيات بمرافقة الأديب سعيد نفاع وبإشراف الاستاذ مالك) جاء كتابِ “بيت جن الأثرية” الصادِرِ عام 2013 حيث قامَ الكاتبُ في مؤَلّفِهِ هذا ببحثِ وتوثيقِ تراثِنا الماديِ البيت جنّي، ليستطيعَ أهلُنا كبارا وصغارا، التعرفَ على تاريخِهِم وهويتِهِم الحضاريةِ وعلى جذورِهِم المتأصلةِ فيه والتي تميزت وتتميزُ بها قريتُنا الكريمة، وليمنحَ الاعتزازَ بتراثِنا الحقيقيِّ وآثارِنا وتاريخِنا”، وفي الكتاب الحالي “قرى الموحدين الدروز المهجورة في الجليلين والكرمل” ومن منطلق انَّ لكلِّ أمةٍ تاريخٌ وتراثٌ وآثارٌ، والأمةُ الحيةُ هي الأمةُ التي تعتزُّ بتراثِها وآثارِها، على اعتبارِها من أساسياتِ ومكوناتِ تاريخِ وحضارةِ وهويةِ تلك الأمةِ، وبما أنّ  الشعبَ الذي لا يقدرُ تراثَه ولا يحافظُ عليه ليس له الحقُ في الحياة، رأى المؤلفان أن يوثقا ويُدونا تاريخَنا بوضوحٍ وصدقٍ، ليشكلَ عملَهما وثيقةَ عهدٍ بينَ الأجيالِ السابقةِ والحاليةِ والقادمةِ، وهمزةَ وصلٍ بينَ الأجدادِ والآباءِ والأبناءِ والأحفادِ، ومن أجل المحافظة على الهويةِ قام المؤلفان بالتنقيب وجمع الوثائق والصور والمستندات التاريخية، وزارا المواقعَ وذكرا التسميات بالإضافة لتسجيل ما دوّنَه بعض الرحالةِ، وعملا بالمقارنة وتبيان مواضِع الزيفِ خاصة المقصودِ أو المُمَنهَجِ منها، كذلك عرضا ما جاءَ في الكتب المقدسة، والدراسات والكتب التاريخية، مع الإشارة الى الاماكنِ الاثريّةِ ومواقعِ الأرضِ في كل قرية وإضافة معلوماتٍ قيّمةٍ، يستفيدُ منها الكبيرُ كالصغير، الطالبُ الجامعيُ كالطالبِ الابتدائيِ، وأنا كمعلم شاهدٌ على تحوُّلِ هذه الكتب الى مراجع إنْ للمعلمين في إعدادِهِم لبرنامجِ رحلاتٍ وأيضا للطلابِ الذينَ يستعينونَ بها ليحضّروا وظائفَ بحثيةً متنوعةً…

   ولعلَّ أهمَ الفصولِ في الكتاب المذكور بعد التصدير الموسوم بقلم الشيخ موفق طريف الرئيس الروحي ورئيس المجلس الديني الدرزي الأعلى، ثم المقدمة وذكر المصادر، جاء الباب الأول ليعرض القرى الدرزية المهجورة في الجليل الأعلى والتي كانت مراكز الدعوى كالحنبلية، اكليل وتل ميماس والقرى الدرزية في الجليل الأسفل مثل عين عاث، وقرى مرج الحمى مثل دامية والسافرية والأيكة.

أما الباب الثاني والذي يطرق فترة الزيادنة، فيعرض للقراء شرحا وافيا عن قرى سلامة، أم العمد، حزّور، الربيضيّة، سَبانا، الكمّانة، ماحوزو غيرها، وفي الباب الثالث يستعرض الكاتبان بإسهاب قرى جبل الكرمل مثل جلمة عسفيا، أم الشقف، الدامون، رقطيّة، سمّاقة، المنصورة وغيرها ثم الباب الرابع والأخير عن القرى الدرزية الأخرى التي قطنها الدروز ثم اضطروا لسبب أو لآخر الى تركها مثل ام الزينات، الطابغة والتي تقاسموها مع مسيحيي الرامة، المطلة، مغر الدروز في الخيط المسلوب، الجاعونة، المكر، دير الأسد، الرملة والتي كانت إحدى التجمعات الرئيسية للموحدين في عهد مولانا الحاكم بأمر الله.

   عالجت هذه الدراسة 47 قرية درزية كانت قائمة منذ بداية دعوة التوحيد الشريفة ومرورها بفترات عصيبة قاسية أدت الى هجر معظمها لأسباب متعددة، أخيرا وليسَ آخرا، ومن بابِ تركِ المجالِ مفتوحا أمامَكم لاكتسابِ المعرفةِ والمعلوماتِ ندعوكم للاستزادة عبر الإبحار في بحر هذا الكتاب وما سبقه من كتب للأستاذ مالك، مع الاحترام والتقدير على هذا العمل المميز والى المزيد من العطاء !

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .