عَفَتِ الدِيارَ وَباقِيَ الأَطلالِ
ريحُ الصَبا وَتَقَلُّبُ الأَحوالِ
وَعَفا مَغانِيَها وَأَخلَقَ رَسمَها
تَردادُ وَكفِ العارِضِ الهَطّالِ
فَلَئِن صَرَمتِ الحَبلَ يا اِبنَةَ مالِكٍ
وَسَمِعتِ فِيَّ مَقالَةَ العُذّالِ
فَسَلي لِكَيما تُخبَري بِفَعائِلي
عِندَ الوَغى وَمَواقِفِ الأَهوالِ
وَالخَيلُ تَعثُرُ بِالقَنا في جاحِمٍ
تَهفو بِهِ وَيَجُلنَ كُلَّ مَجالِ
وَأَنا المُجَرَّبُ في المَواقِفِ كُلِّها
مِن آلِ عَبسٍ مَنصِبي وَفَعالي
مِنهُم أَبي شَدّادُ أَكرَمُ والِدٍ
وَالأُمُّ مِن حَامٍ فَهُم أَخوالي
وَأَنا المَنِيَّةُ حينَ تَشتَجِرُ القَنا
وَالطَعنُ مِنّي سابِقُ الآجالِ
وَلَرُبَّ قِرنٍ قَد تَرَكتُ مُجَدَّلاً
وَلَبانُهُ كَنَواضِحِ الجِريالِ
تَنتابُهُ طُلسُ السِباعِ مُغادَراً
في قَفرَةٍ مُتَمَزِّقِ الأَوصالِ
وَلَرُبَّ خَيلٍ قَد وَزَعتُ رَعيلَها
بِأَقَبَّ لا ضِغنٍ وَلا مِجفالِ
وَمُسَربَلٍ حَلَقَ الحَديدِ مُدَجَّجٍ
كَاللَيثِ بَينَ عَرينَةِ الأَشبالِ
غادَرتُهُ لِلجَنبِ غَيرَ مُوَسَّدٍ
مُتَثَنِّيَ الأَوصالِ عِندَ مَجالِ
وَلَرُبَّ شَربٍ قَد صَبَحتُ مَدامَةً
لَيسوا بِأَنكاسٍ وَلا أَوغالِ
وَكَواعِبٍ مِثلِ الدُمى أَصبَيتُها
يَنظُرنَ في خَفرٍ وَحُسنِ دَلالِ
فَسَلي بَني عَكٍّ وَخَثعَمَ تُخبَري
وَسَلي المُلوكَ وَطَيِّئَ الأَجبالِ
وَسَلي عَشائِرَ ضَبَّةٍ إِذ أَسلَمَت
بَكرٌ حَلائِلَها وَرَهطَ عِقالِ
وَبَني صَباحٍ قَد تَرَكنا مِنهُمُ
جَزَراً بِذاتِ الرِمثِ فَوقَ أُثالِ
زَيداً وَسوداً وَالمُقَطَّعَ أَقصَدَت
أَرماحُنا وَمُجاشِعَ بنَ هِلالِ
رُعناهُمُ بِالخَيلِ تَردي بِالقَنا
وَبِكُلِّ أَبيَضَ صارِمٍ فَصّالِ
مَن مِثلُ قَومي حينَ يَختَلِفُ القَنا
وَإِذا تَزِلُّ قَوائِمُ الأَبطالِ
يَحمِلنَ كُلَّ عَزيزِ نَفسٍ باسِلٍ
صَدقِ اللِقاءِ مُجَرَّبِ الأَهوالِ
فَفِدىً لِقَومي عِندَ كُلِّ عَظيمَةٍ
نَفسي وَراحِلَتي وَسائِرُ مالي
قَومي صَمامِ لِمَن أَرادوا ضَيمَهُم
وَالقاهِرونَ لِكُلِّ أَغلَبَ صالي
وَالمُطعِمونَ وَما عَلَيهِم نِعمَةٌ
وَالأَكرَمونَ أَباً وَمَحتِدَ خالِ
نَحنُ الحَصى عَدَداً وَنَحسَبُ قَومَن
وَرِجالَنا في الحَربِ غَيرِ رِجالِ
مِنّا المُعينُ عَلى النَدى بِفَعالِهِ
وَالبَذلِ في اللَزَباتِ بِالأَموالِ
إِنّا إِذا حَمِسَ الوَغى نُروي القَنا
وَنَعِفُّ عِندَ تَقاسُمِ الأَنفالِ
نَأتي الصَريخَ عَلى جِيادٍ ضُمَّرٍ
خُمصِ البُطونِ كَأَنَّهُنَّ سَعالي
مِن كُلِّ شَوهاءِ اليَدَينِ طِمِرَّةٍ
وَمُقَلَّصٍ عَبلِ الشَوى ذَيّالِ
لا تَأسِيَنَّ عَلى خَليطٍ زايَلوا
بَعدَ الأُلى قُتِلوا بِذي أَغيالِ
كانوا يَشُبّونَ الحُروبَ إِذا خَبَت
قِدماً بِكُلِّ مُهَنَّدٍ فَصّالِ
وَبِكُلِّ مَحبوكِ السَراةِ مُقَلِّصٍ
تَنمو مَناسِبُهُ لِذي العُقّالِ
وَمُعاوِدِ التَكرارِ طالَ مُضِيُّهُ
طَعناً بِكُلِّ مُثَقَّفٍ عَسّالِ
مِن كُلِّ أَروَعَ لِلكُماةِ مُنازِلٍ
ناجٍ مِنَ الغَمَراتِ كَالرِئبالِ
يُعطي المَئينَ إِلى المَئينَ مُرَزَّاً
حَمّالُ مُفظِعَةٍ مِنَ الأَثقالِ
وَإِذا الأُمورُ تَحَوَّلَت أَلفَيتَهُم
عِصَمَ الهَوالِكِ ساعَةَ الزِلزالِ
وَهُمُ الحُماةُ إِذا النِساءُ تَحَسَّرَت
يَومَ الحِفاظِ وَكانَ يَومُ نَزالِ
يُقصونَ ذا الأَنفِ الحَمِيِّ وَفيهِمُ
حِلمٌ وَلَيسَ حَرامُهُم بِحَلالِ
المُطعِمونَ إِذا السُنونُ تَتابَعَت
مَحلاً وَضَنَّ سَحابُها بِسِجالِ