لقرية جولس مكانتها عبر التاريخ القديم، وهناك من نسب اسمها للقائد الرّوماني يوليوس، الذي حكم المنطقة مبعوثًا من امبراطوريّة شهدت على حقبة تاريخيّة هامّة ومؤثّرة، بينما البعض يعتقد أن مصدر عائد الاسم لأصول عربيّة، كونها تجلس على أربعة تلال سفلى من القرى المحيطة بها. لم تكن أهمية بلدة جولس بعدد سكّانها، بل بقيمتها الدّينيّة المتأصّلة فيها منذ مئات السّنين، فهنا وعلى تلالها، ومسالك دروبها، عاش رجال من أهل الدّين، ومرّ في أزقّتها باتّجاه البر القريب، شيخ من شيوخ التّقوى، وهو الشّيخ علي الفارس (ر)، وهنا على الأرض الطيبة خطّط أهل الخير خطواتهم، لخدمة شيخ زاهد، اتّخذ من مغارة خلوته، لتدُور الأيام والسّنين وأصحاب الفضل والفضيلة والأيادي البيض وبيارق التوحيد ترفرف على بقعة أبت إلّا أن تكُون من حصة الله وأنبيائه الصّالحين. خيمت قبل أسبوع سحابة سوداء على أجواء قرية جولس، عاش الأهل بحالة توتّر، جرّاء قضيّة أرض الوقف، وبناء مدرسة عليها، بعد أن أصبحت المدرسة القديمة خرابًا، وكانت الحاجة تُلزم إعادة بناء مدرسة جديدة، ترفع الخطر عن أولادنا، وإن كنّا لا نملك كل التفاصيل في هذا الملف، فإن ما يعنينا سلامة الأهل والسحابة السوداء لا تنقشع إلّا بحكمة الأهل ووعيهم لشيطان جالس في زوايا التفاصيل، وجولس عرفت في الماضي كيف تبقى شامخةً بين تلال الكرامة وثنايا وحدة أهلها، وكرامة من كانوا بمنزلة الكرامات. اندفع العشرات نحو قرية جولس في ليلة حالكة السواد، عندما أُطلِقَت عيارات نارية على منزل رئيس المجلس، وبلطف من الله لم تقع إصابات في الأرواح، وعمل خسيس من هذا النوع، يُقصَدُ منه إدخال القرية والعشيرة المعروفيّة في مسلسل دموي، لا تحمد عُقباه، ولم يفكّر للحظة الفاعلين بأنهم لا يشاركون في مسلسل بطولي، ولم يدحروا فلول الأعداء، بل حاولوا المس بابن عشيرتهم وعائلتهم. تصليح الخطأ بخطأٍ فادح آخر، بردّة نحو بيت ومزار شيخ الجزيرة، المغفور له أبو يوسف، أمين طريف، مردودة على فاعليها، ولم تحصل في تاريخ عشيرة نشدت السّلام والتّسامح والمحبّة، ومخافة الله، حقًّا كانت ساعات رهيبة، انتهت على خير، بلطف من الله. الحكمة سيّدة الموقف، وفي جولس أصحاب الحكمة ملزمين بإعادة المياه لروافدها، والعقّال كانوا من هنا، وأهل الدّين من هنا، وجولس في القلب باقيّة، تنبض سلمًا، وتشييد مدرسةٍ يحفظ مستقبل أبنائنا، وأرض الوقف يزداد خيرها وقيمتها ترتفع، كلّما بنيننا طابقًا، جلس بين صفوفه أطفال يُنشدون المعرفة، يستحمّون بشمس الأحرف، والخلاف يتبدد بالنّوايا الحسنة، وجولس ستبقى نبض الإباء.