واضح أنّ الحكومة الإسرائيليّة برئاسة بينيت لا تختلف عن الحكومات الإسرائيليّة السّابقة، في إدارتها للصّراع، فالحركة الصّهيونيّة صاحبة مشروع توسّعيّ طويل المدى، وليست على عجلة من أمرها، وإن كانت وحكومة نتنياهو التي سبقتها أكثر وضوحا في تطبيق سياسة الاستيطان والتّوسّع والتّنكّر لحقوق الشّعب الفلسطينيّ الطبيعيّة والتّاريخيّة والدّينيّة في وطنه، يساعدها في ذلك الدّعم الأمريكيّ اللامحدود لإسرائيل، والذي يتوازى مع رضوخ النّظام العربيّ الرّسمي اللامحدود أيضا. ومن يعارض سياسة الاحتلال الإسرائيلي فإنّ تهمة الإرهاب ومعاداة السّاميّة في انتظاره.
وبما أنّ الغطرسة الأمريكيّة- الإسرائيليّة تقوم على نظريّة:” ما لم يمكن حلّه بالقوّة يمكن حلّه بقوّة أكبر”! ويمكن تسويقه بتضليل الرّأي العامّ العالميّ من خلال طاحونة إعلام هائلة تغطّي العالم جميعه، وتقلب الحقائق وتزيّف التّاريخ دون وجود منافس لها.
وإذا عدنا قليلا إلى الأحداث التي شهدها المسجد الأقصى في شهر رمضان الأخير، وما تمخّض فيه من أحداث أزهقت أرواحا، وانتهكت حرمات المسجد المبارك بسبب ممارسات الاحتلال التي تجاوزت كلّ الخطوط الحمراء، فإنّ الحكومة الإسرائيليّة لم تتّعظ ممّا جرى، وما زال يجري، بل زادت من تواجدها الأمنيّ لقهر الفلسطينيّين الذين يستميتون في الّدفاع عن مقدّساتهم، ولم تقتصر عدوانيتهم على المسجد الأقصى فقط، بل تعدّتها إلى تحديد أعداد المسيحيّين الذين ارتادوا كنيسة القيامة للصّلاة في عيد الفصح المجيد. ولم توقف اقتحامات المتزمّتين اليهود للمسجد الأقصى.
وقد تعدّت تحدّيات حكومة الاحتلال لمشاعر الفلسطينيّين مسلمين ومسيحيّين الدّينيّة، ومشاعر المؤمنين في أرجاء العالم جميعه بانتهاك حرمات مقدّساتهم، لتصل إلى نسف اتّفاقات ” وادي عربة” مع الأردنّ التي وقّعت عام 1994، والتي نصّت على “الوصاية الهاشميّة” على المقدّسات الإسلاميّة والمسيحيّة في القدس، فقد صرّح رئيس الحكومة الإسرائيليّة يوم أمس الأحد 8 مايو الحالي أمام حكومته:” بودّي أن أوضح أن أيّ قرار بالنّسبة للمسجد الأقصى ستتّخذه الحكومة الإسرائيلية، التي تخضع المدينة لسيادتها، من دون أخذ أيّ اعتبارات أخرى بالحسبان، ونحن نرفض بكلّ تأكيد أيّ تدخّل أجنبيّ بقرارات الحكومة الإسرائيليّة، وأنّ القدس الموّحدة هي عاصمة دولة واحدة فقط – دولة إسرائيل” ! وهو بهذا يتنكّر لدور ومسؤوليّة الأوقاف الإسلاميّة على المسجد الأقصى، ويتنكّر للقانون الدّولي وقرارات الشّرعيّة الدّوليّة بخصوص القدس، ولاتّفاقات جنيف الرّابعة بخصوص الأراضي التي تقع تحت الاحتلال العسكري، و”لمعاهدة السّلام” مع الأردنّ. وقبل بينيت هدّد اسحاق ليفانون سفير اسرائيل السّابق في مصر الأردن رسميا بسبب موقفه من المسجد الأقصى” بتحويله إلى فلسطين في حال واصل المسؤولون الأردنيّون مساندة الفلسطينيين ومهاجمة الجانب الإسرائيليّ بشدّة“
وموقف الحكومات الإسرائيليّة المعادي للأردنّ ليس جديدا، فهم يعتبرون الأردنّ “الوطن البديل للشعب الفلسطينيّ”!
ولسنا بحاجة إلى التّأكيد على أنّ المسجد الأقصى جزء من عقيدة المسلمين، ومقترن بالكعبة المشرّفة والمسجد النّبويّ الشّريف.
لكنّ الحركة الصّهيونيّة تزعم أنّ الهيكل المزعوم مطمور تحت الأقصى، رغم أنّ الحفريّات الإسرائيليّة المتواصلة منذ العام 1967 تحت المسجد، وتحت القدس لقديمة لم تعثر على أثر يهوديّ، لكنّهم يختلقون الغيبيّات الدّينيّة لتضليل اليهود قبل غيرهم، وهذا سيدخل المنطقة والعالم جميعه في حروب دينيّة يعلم مشعلوها متى يبدأونها، لكن لا هم ولا غيرهم يعلمون متى ستنتهي، ولن ينجو أحد من لهيبها، وأوّل من سيحترق بها هم مشعلوها، ومن يحتمي بهم، والحديث يطول.
9 مايو-2022