عن مكتبة كل شيء في حيفا صدر عام 2021 صدرت مجموعة قصص قصيرة جدّا للأديب الكبير محمود شقير تحمل عنوان حليب الضحى، وتقع المجموعة التي صمّمها ومنتجها شربل الياس في 235 صفحة من الحجم المتوسّط.
هذه هي المرّة الثّانية التي أقرأ فيها هذه المجموعة القصصيّة لأديبنا الكبير محمود شقير، وقد تهيّبت من الكتابة عنها في المرّة الأولى، خوفا من أن لا أعطيها حقّها، لكن بما أنّها طُرحت للنّقاش في ندوة اليوم السابع المقدسيّة، فقد وجدت نفسي ملزما بالكتابة عنها.
ومن يقرأ هذه المجموعة القصصيّة سيجد أنّ أديبنا شقير قد أعادنا إلى شخوص ثلاثيّته الرّوائيّة” فرس العائلة، مديح لنساء العائلة وظلال العائلة.” ولا يفهمنّ أحد من هذا القول أنّ أديبنا يكرّر نفسه، بل العكس هو الصّحيح، فكلّ جديد للأديب شقير مدهش أكثر من سابقاته، فأديبنا دأب على التّجريب ويأتينا دائما بما هو جديد ومدهش. ففي ثلاثيّته الرّوائيّة صاحبنا الأديب في مراحل حياتيّة لعشيرة العبداللات، التي تسكن أطراف القدس من الجهة الجنوبيّة، وكيف تطوّرت، ومعروف أنّ “العبداللات” لمن يعرف سيرة الأديب سيجد فيها شيئا من سيرة آبائه وأجداده وأبناء بلدته.
وهنا لا بدّ من التّأكيد أنّنا حظينا كفلسطينيّين وكعرب بمحمودين: محمود درويش في الشّعر، ومحمود شقير بالسّرد القصصي والرّوائي.
وسيلاحظ القارئ لكتابات محمود شقير أنّه يمتلك لغة شعريّة وشاعريّة لافتة. لكن ما يجب التّوقّف عنده، وآمل أن يلقى دراسات من قبل نقّاد أكّاديميّين محترفين، هو ضرورة الإنتباه إلى مجموعته القصصيّة”حليب الضّحى” ومجموعات قصصية أخرى سابقة للأديب شقير حيث أنّه يؤسّس لفنّ روائيّ جديد لم نعهده من قبل، فمن يقرأ مجموعاته الأخيرة في القصّة القصيرة جدّا، سيجد بقليل من الأنتباه ودون عناء، أنّ بإمكانه قراءة كل قصّة منفردة، وإذا ما قرأها بتسلسل سيجد نفسه أمام رواية، وهذا يشير بقوّة إلى قدرات أديبنا السّرديّة، والسّؤال الذي يطرح نفسه هو: هل نحن أمام فنّ روائيّ جديد؟
وجوابي أنا شخصيّا: نعم نحن أمام فنّ روائيّ جديد أبدعه الأديب شقير.
وفي مجموعة “حليب الضّحى” وأعود هنا إلى “ثلاثيّته الرّوائية”، يواصل الأديب شقير سرد شيء من سيرته الذّاتيّة، مغموسة بالواقع الذي عايشه هو وأبناء جيله، لكنّ القدس تبقى محورا أساسيّا في قصصه، بل هي المكان الرّئيس الذي تدور الأحداث فيه، فأديبنا تسكنه القدس وهمومها وحرصه على فلسطينيّتها وعروبتها ليس جديدا عليه، فهذا ما اعتاد عليه وما اعتدنا على رؤيته في إبداعاته.
ومحمود شقير الذي يطرح ما يرديه بفنّيّة عالية بعيدة عن المباشرة يبقى إنسانا كبقيّة البشر، فهو يحبّ ويكره ويعاني ويفرح ويتألّم نجده يعاني ويحمل معاناة شعبه وقدسه ووطنه من بطش الاحتلال، ونجده ينحاز إلى المرأة التي يراها شريكة الرّجل ونصفه الآخر، كما ينحاز إلى الأطفال وبراءتهم التي بنتهكها المحتلون. ويؤكّد في قصصه على الأخوّة بين أبناء شعبه المسلمين والمسيحيّين.
وواضح أن الأديب شقير يحمل تقديرا عاليا لصديقه الرّاحل محمود درويش، وهو مطّلع على شعره وعارف لوعيه، ومتأثر به، لذا نراه يتّكئ على مقولته “على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة” ويبني عليها أقصوصة بعنوان “حوار” ص74. ويشير بعدها مباشرة إلى درويش قائلا:” صمتنا لحظة: ثمّ تذكّرنا معا شاعرنا الذي غاب قبل الأوان.” ص74.
يبقى أن نقول أنّ هذه العجالة لا تغني عن قراءة المجموعة القصصيّة اللافتة بشكلها ومضمونها، وأكرّر على ضرورة دراسة هذه القصص من قبل أكّاديميّين محترفين، وآمل أن تحظى بذلك من عديدين وفي مقدّمتهم الدّكتور عادل الأسطة الذي أشار إليها في عجالة كتبها قبل أيّام قليلة.
13 فبراير 2022