بقلم: شاكر فريد حسن
أهدانا مشكورًا الصديق الكاتب والشاعر هادي زاهر، ابن بلدة عسفيا الرابضة على جبال الكرمل، ديوانه النثري الجديد الموسوم “الرسالة الأخيرة لأبي ذر”، وهو الإصدار الثاني في مجال الشعر بعد “تعويذة الحب والياسمين”، والثالث عشر من إصداراته الأدبية المتنوعة. وقد كتب في إهدائه “إلى الكاتب المثابر والملتزم الذي أحب”.
وبالإضافة إلى كونه يكتب الشعر، فقد عرفنا هادي زاهر ناشطًا سياسيًا وقاصًا وروائيًا وكاتب مسرحيات ومقالات سياسية، ولج عالم الأدب والسياسة منذ الصغر، وهو ينشر كتاباته منذ أكثر من ثلاثين عامًا في الصحف والمجلات الأدبية والثقافية منها صحيفة “الاتحاد” العريقة وصحيفة “كل الناس” وفي عدد من المواقع المحلية والعربية والعالمية، وصدر له: الفخ (مسرحية)، في مواجهة النص (خواطر)، الطبل والأفاعي (مسرحيات قصيرة)، امطار ابابيلية (خواطر)، نقطة ضوء(مقالات نقدية)، المغلوبون على أمرهم (دراسة)، القاتل المجهول (قصص قصيرة)، السر الدفين (مسرحية)، الرقص على الحبال (قصص قصيرة)، عبد الناصر وجمهورية الطرشان (دراسة)، كيف نواصل التنكيل بالطائفة الدرزية (دراسة)، وتعويذة الحب والياسمين (ديون نثري).
وديوان “الرسالة الأخيرة لأبي ذر” يشتمل على نصوص نثرية، وصادر عن دار الرشيق للنشر والتوزيع في العاصمة الأردنية عمان، ويقع في 150 صفحة من الحجم المتوسط، صمم غلافه أسيل القيسي، وأهداه إلى الأحفاد على أمل أن يكونوا أفضل منك ومني، وقدم له الراوي أحمد الصمادي مدير دار ابن الرشيق، مشيرًا إلى أن الأستاذ هادي زاهر” يكتب من عاطفة متقدة وانبثاق حسي من الداخل الشعوري الارادي ولا ارادي فتخرج نصوصه مكتنزة بالجمال”.
وتحمل قصائد الديوان الطابع الوجداني العاطفي، وذات بعد إنساني ووطني وطبقي واضح تدعو للحب والحياة والجمال والكفاح، واختياره لأبي ذر دلالة واضحة على الفكر الطبقي الذي يؤمن به، الفكر المنحاز إلى الفقراء والمستضعفين والكادحين، بكل ما يمثله أبو ذر من أخلاق إنسانية عالية وفكر ثوري متوقد وكفاح ضد القهر والظلم والاستغلال، الذي يتجلى في صرخته ومقولته الشهيرة “عجبت لمن لا يجد قوت يومه كيف لا يخرج على الناس شاهرًا سيفه”.
قصائد الديوان ذات نفس طويل، تتفاوت في طولها، ونجد فيها نزعة وجدانية خالصة، يستهلها بقصيدة “أمي” ومن خلالها يناجي روح والدته، التي يحلم بوجهها الغائب، ويختتمها بـقصيد”أمثال فقدت البوصلة”، وفي واسطة العقد يتوهج هادي في قصيدة “الكرمل جوهرة الذُّرى ” التي نلمس فيها الوصف البديع والعشق الكبير للكرمل الأخضر الشامخ، ملهم الشعراء، ودُرَّة الوطن، مستحضرًا ما قاله الشاعر الروسي رسول حمزاتوف عن بلده داغستان، فيقول:
يَحِقُّ لي بكُلِّ حُبٍّ وشَغَفٍ
أنْ أهمِسَ.. أصرُخَ وأقولْ
كَما صاحَ “رَسول حَمزاتوف” وأعترفْ
داغِستان بَلَدي
صَدَقتَ يا رَسول
وأنا.. ذُروَةُ الصِدّقِ فيما أقول
الكرملُ بَلَدي
قِطعَةٌ مِن روحي ومِن جَسَدي
هو ابنُ العُلا
نَجمَةٌ لا تُحِبُّ الأفولْ
ويَرى كُلَّ الأبعادْ
عَلى طولِ وعَرضِ البلاد
هُوَ الأوَّلُ والأخير
في متوالِيَةِ العَدد
وهُوَ أبجَدِيَّةُ الأنبياء
الأبَد مُنذُ بَدءِ المَسيرَةِ إلي
وفي قصيدته عن السويداء السورية، عاصمة جبل العرب، وقلب التاريخ والجغرافيا يأسى زاهر على الدماء التي أريقت وروت التراب وسقوط الأبرياء، عندما شن تنظيم داعش الإرهابي هجومًا واسعًا على المدينة واقترف مجزرة دموية رهيبة بحق سكانها العزل، فيكتب قائلًا:
أيُّها الجَبَلُ الأشَمْ
مِن أيّ عَهدٍ وأنتَ تَدفُقُ
كُلَّ هذا الدَّمْ
كُلُّ صَباحٍ وهذِهِ الشَّمسُ تُشرِقْ
على دُراك البَهِيَّة
ومَن لا يَراكَ بِكُلِّ هذا الوُضوحْ
سَيَرى عُنُقَهُ المَذْبوحْ
مَيّتٌ هُلامِيُّ الخُطى دونَ روحْ
أيُّها الجَبَلُ، كَم مِن سُفوحٍ وسُفوحْ
جاءَت إلَيكَ لِتَعلو.. وتَستّظِلَّ لِتَسمو
وتَركنَ لِتَنمو
في دُراكَ العالِيَةِ الشَّاهِقَة
يا سُوِيداءَ قَلبِ التَّاريخِ والجُغرافية
ومَهما طَغَتِ الطُغمَةُ المارِقَة
فهيَ في أفولٍ وذَوَبانْ
ولَك البقاءُ على مَرِّ الزَّمانْ
لَك البَقاءُ والأمنُ والأمان
ومن قصائد الحرية والكفاح في الديوان قصيدة “عشرة أيام في الأسبوع”، وفيها يدعو زاهر لعدم الرضوخ والاستسلام لواقع الفقر والجوع والظلم، واللجوء للكفاح والانتفاض ضد القهر وكل صنوف العبودية والاستغلال:
فَقُل لِفَقرِكَ لا
قاتِل بِكُلِّ ما أوتيتْ
مِن قُوَّةٍ وعَقيدة
فَكَيفَ تَغفو وتَبيتْ
جائعًا فوق أرضِكَ المَجيدة
فَهذِهِ السُّهولُ.. الحُقول
شاهِدةٌ وشَهيدَة
فإن حَلَّ الظُلمُ والاستِعباد
وتَحَكَّمَ الطُغاةُ برِقابِ العِباد
فَلَها في كُلِّ مَظلَمَةٍ
انتفاضَةٌ جَديدة
وفي قصائد أخرى يحاكي هادي زاهر أشجانه وهموم الناس والمجتمع والمعاناة التي يعيشها وتصوير النفسية العربية من واقع وأحداث وآلام متلاحقة تنخر في الجسد العربي والفلسطيني.
والخصائص الفنية في الديوان تتجلى في وحدة الموضوع وتنويعاته وتكامل بنائه العضوي والفني، رغم وجود بعض القصائد المركبة التي تعكس حالته الواقعية من غربة واغتراب واستلاب وقلق وجودي عصري، علاوة على السلاسة والانسيابية المتقنة، واعتماد لغة واضحة جزلة الألفاظ بعيدة عن الغموض والرمزية.
ومن نافلة القول أخيرًا ان ديوان “الرسالة الأخيرة لأبي ذر” هو صور حُبّ وخواطر وجدانية وهموم فكرية، ينضح بالصدق التعبيري. وبدورنا نهنئ شاعرنا وكاتبنا الكرملي هادي زاهر، متمنيًا له النجاح والمزيد من العطاء والتألق والحضور في المشهد الأدبي الإبداعي الفلسطيني في هذه الديار.