* المحامي علي أبوهلال
يعد لجوء الفلسطينيون إلى محاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين أمام المحاكم الدولية، أمرا مهما في ظل حرمانهم من العدالة التي تعيد لهم حقوقهم، وفي ظل افلات هؤلاء المجرمين من العقاب.
وفي هذا الإطار تعقد محكمة الاستئناف في لاهاي يوم الثلاثاء المقبل، جلسة النطق بالحكم في الاستئناف بالقضية المرفوعة من قبل المواطن إسماعيل زيادة ضد قائد أركان الجيش الإسرائيلي السابق ووزير الجيش الحالي بيني غانتس، وقائد سلاح الجو السابق ومدير عام وزارة الجيش الحالي أمير إيشل، لقصفهما منزل عائلته خلال العدوان على قطاع غزة عام 2014.
وكانت المحكمة الهولندية قد عقدت جلسة الاستماع للطعون يوم 23 سبتمبر/ أيلول 2021، وفند زيادة وفريقه القانوني قرار المحكمة الابتدائية الذي منح الحصانة للمتهمين وبالتالي حرمانه من الوصول الى العدالة.
وقدم زيادة الدعوى وفقًا للقانون الهولندي، والذي يقر مبدأ الولاية القضائية الدولية في القضايا المدنية المتعلقة بأفراد لا يستطيعون الوصول للعدالة في مكان آخر، ويسعى زيادة لمحاسبة المتهمين بإصدار قرار القصف المتعمد الذي تعرض له منزل عائلته في مخيم البريج في قطاع غزة بتاريخ 20 تموز/ يوليو 2014، وأدى إلى استشهاد والدة إسماعيل زيادة (70 عامًا) وثلاثة أشقاء وزوجة شقيقه وابن أخيه البالغ من العمر (12 عامًا)، إضافة إلى أحد ضيوف العائلة.
ورفعت الدعوى في المحاكم الهولندية لانحياز المحاكم الإسرائيلية لصالح مجرمي الحرب الإسرائيليين، حيث أن المحاكم الإسرائيلية تشكل جزءا من منظومة الاحتلال وتعمل لخدمته، ولا تتوفر فيها معايير النزاهة والعدالة.
وكانت المحكمة الابتدائية في لاهاي أصدرت بتاريخ 29 كانون الثاني/ يناير 2020 قرارها بأن غانتس وإيشل يتمتعان بالحصانة من الملاحقة القضائية أمام المحاكم الهولندية، وأن ما قام به المدعى عليهما قد تم أثناء قيامهما بمهامهم الرسمية.
وقدم زيادة طلب استئناف ضد هذا القرار مؤكدا أن المحكمة أخطأت في قرارها الاعتداد بـالحصانة الوظيفية للمتهمين، مشددًا أن الحصانة الوظيفية لا تُمنح للمتهمين بارتكاب جرائم حرب، وأن هذا القرار يمثل انتهاكًا لحق زيادة في الوصول إلى العدالة ويساهم في تعزيز سياسة الإفلات من العقاب.
ويذكر أن إسماعيل زيادة هو فلسطيني مولود في مخيم البري في غزة، ومواطن هولندي، ورفع دعوى قضائية إلى المحكمة المركزية في لاهاي، ضد رئيس أركان الجيش الإسرائيلي الأسبق، بيني غانتس، وقائد سلاح الجو الإسرائيلي السابق، أمير إيشل، وحملهما من خلال الدعوى المسؤولية عن ارتكاب جريبة حرب ومقتل والدته وأشقائه الثلاثة، وزوجة أحدهم وابن شقيقه وشخص آخر كان ضيفا على العائلة، في قصف الطيران الحربي الإسرائيلي لبيت عائلته في 20 تموز/يوليو 2014، أثناء العدوان على غزة.
وكتبت محامية زيادة الهولندية، ليسبث زخوولد، في الدعوى أن الجيش الإسرائيلي يحقق مع نفسه في حال إصابة مدنيين، وشددت على أن الأنظمة والقوانين في إسرائيل تمتنع عن إعطاء الفلسطينيين فرصا نزيهة من أجل تقديم دعاوى تعويضات مدنية إلى المحاكم الإسرائيلية، كما أن اتفاقيات أوسلو تمنع الفلسطينيين من تقديم دعاوى ضد إسرائيليين إلى المحاكم الفلسطينية. واضافت أنه في هذه الحالة، يسمح القانون الهولندي لزيادة بتقديم دعوى إلى محكمة هولندية.
وقدم زيادة الدعوى في نهاية آذار/مارس الماضي. وبعد ذلك بثلاثة أشهر، كلّف غانتس وإيشل المحامية الهولندية، كاثلاينة فان در بلاس، بأن تمثلهما. وفي نهاية تشرين الأول/أكتوبر الماضي، قدمت طلبا برد الدعوى التي قدمها زيادة، بزعم أن لا صلاحية للمحكمة بالنظر في الدعوى، وأن جهاز المحاكم الإسرائيلي مفتوح أمام الفلسطينيين، وأن غانتس وإيشل لديهما حصانة لأنهما عملا في إطار منصب رسمي.
ويشار إلى أن لجنة التحقيق التابعة للأمم المتحدة بشأن العدوان على غزة عام 2014، أشارت إلى أن 142 عائلة في غزة فقدت ثلاثة من أبنائها على الاقل، في غارات منفصلة، وبينها عائلة زيادة. وكان مجموع الشهداء في تل الغارات 742 إنسانا من بين 2200 شهيد الذي سقطوا خلال هذا العدوان.
تعد هذه القضية فريدة من حيث كونها المرة الأولى التي يتمكن فيها فلسطيني من رفع دعوى مدنية في قضية تتعلق بجرائم حرب للوصول إلى العدالة على أساس مبدأ الولاية القضائية الدولية، وهي وسيلة هامة يجب اللجوء لها، واستخدامها بشكل واسع ومستمر، لأن القضاء الجنائي الدولي رغم تردده وضعفه أحيانا، يظل الخيار المناسب لمحاكمة مجرمي الحرب الإسرائيليين، حتى لا يفلت هؤلاء المجرمين من العقاب، خصوصا بعد أن أثبتت الوقائع أن المحاكم الاسرائيلية هي جزء من منظومة الاحتلال، وتعمل لمصلحته وخدمته، ولا تتوافر فيها معايير المحاكمة العادلة والنزيهة.
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.