كتب نور عامر:
كتابان جديدان للأستاذ الشاعر نصر خطيب من الجليل الفلسطيني ، الكتاب الأول ” العناصر التراثية في قصص محمد نفاع ” دراسة جامعية تناولت سيرة المرحوم محمد نفاع ، مولده ، نشأته ، تحصيله التعليمي ، مواقفه الوطنية ، انتماءه للأرض والقرية ، وقصصه كأحد رواد القصة القصيرة *
إذا كان لكل كاتب سيرة من دافع ، فدافع نصر خطيب يتلخص في إعجابه الشديد بشخصية الكاتب ، وبأسلوبه ولغته المتميزين في قصصه كما صرح في صفحة 15 *
في الحقيقة ان محمد نفاع حظي بنصيب وافر من الدراسات والنشرات المختلفة عن ادبه القصصي المميّز ، وجاء كتاب نصر حطيب ليضيف لبنة جديدة في صرح هذا الكاتب الرائد ** وبالرغم من جودة هذه الدراسة لنصر خطيب ألّا أنها ليست مستفيضة وإلّا لاحتاجت الى مجلد كامل ، لذلك نتف الكاتب من كل أدب نفاع خفيفَ أشياء وصاغها بأسلوب ذكي وانيق يغري المتلقي ويشحنه بالمتعة والمنفعة *
ولا بد لقارئ هذه الدراسة من الوقوف على ميزات جوهرية فيها ، منها ان الكاتب قام بنقل الواقع لا يعدوه ، والتزم الإنصاف وعدم التحيز ، علما ان نفاع صديقة وابن قريته بيت جن ** وثمّة ميزة سامية يُنظرُ إليها باحترام كبير تُجاه كُتّاب السير ذلك ان كاتب السيرة يفقد معنى التفرد الأناني ويكرس وقته وجهده من أجل غيره ، وكي ينيرَ لنا الماضي فلا يضيع في زحمة الأيام
وبعد : لقد احسن نصر خطيب صنعا واستحق التقدير بإنجازه هذا العمل الرائع الذي يُعتبر وثيقةً هامة للتاريخ وللأجيال.
أمّا كتابه الثاني فهو دوان شعر بعنوان ” شوق ترويه حبات المطر ” تنوع في المضامين ، شعر المناسبة ، شعر الحدث ، شعر الغزل ** قصائد اتسمت بالبساطة والوضوح وعدم التكلف والابتذال * كقصيدته ” نداء من الأعماق ” يزاوج فيها ما بين الحزن ونقيضه بطريقة مبتكرة نوعا ما تجعلك تتفاعل مع القصيدة وتنسجم معها **
أو قصيدة ” شوق ” افتتح بها ديوانه تجري على البحر الكامل ، نقتطفُ بعضا منها : ” ينتابني شوق لحبكِ حيثما / لاح الجمال ومن به مترنما / ها أنتِ تختالين في قلب سَمَا / بمحبة ما عانقتْ إلّا السّما ”
في البت الثاني يتحقق الجناس وهو من الحلى اللفظية ، وهو تشابه لفظتين مع اختلافها في المعنى * سَمَا أي ارتفع ، و السّما أي السماء **
البيت الخامس : ” وكأني أدمنتُ خمرةَ حبكِ / حُلْوٌ مشاربها وريقكِ بلسما ”
الصحيح ، وكأنني وليس وكأني حتى تصبحَ مُتَفاعِلُن فيستقيم الوزن ** والصحيح حلوا وليس حلوٌ *
قصيدة ” التجلّي ” تنطلق من رؤية الشاعر الخاصة ، أو لنقُل فلسفته الخاصة في الحب ، ليس حب المرأة تحديدا ، إنّما الحب بشكل عام ، حُب الناس والأشياء يضفي على الحياة قيمةً وجمالا وجاذبية ** أتذكر قول فرانسيس بيكون : أجمل ما في الحب أنه يجعل البشر أكثر أناقة وجاذبية *
هذه القصيدة ” التجلي ” كان يمكن ان تحقق منزلة طيبة في ميدان الشعر لولا أنها اسّتُهلتْ بطابع الأقوال وليس الشعر : ” روحي تمجد الألم / والألم ابن المعاناة / والمعاناة أم الحِكمة ”
مِن المسلم به ان الطبيعة الجغرافية تؤثر في كتابات الأديب ايٍ كان ، وباعتبار ان بلد الشاعر بيت جن ذات طبيعة جبلية ، نجد في الديوان
ذكر الصخور والجبال والأودية مزجوجة في قوالب شعرية جميلة ومُستحسنة ذوقا وسياقا *