في كل دورة انتخابية تتعالى شعارات المرشحين لرئاسة السلطة المحلية حول أهمية دور الشباب، إشراكهم في صنع القرار وتحسين فرص العمل، السكن الخ.. في الواقع، لا تأثير يذكر لذلك، إذ تستغل تلك الشعارات لتكون أدوات لإعطاء صبغة عصرية للمنظومة الحمائلية المتنفذة في الحكم المحلي، لا أكثر.
في مجال التعيين والقوى البشرية في سلطاتنا المحلية، كما في مجالات أخرى، لا يحظ جيل الشباب بالثقة والدعم الكافي، بل وتهمش القدرات، فنرى القيادة المحلية بشكل صريح أو ضمني توصل لهم رسالة بأنهم غير أكفاء ولا تتطلع السلطة إليهم كمورد بشري ثمين يجب استغلاله لتطوير السلطة بأقسامها ومرافقها المختلفة.
في السنوات الأخيرة، نلحظ محاولات متكررة لتعيين المقربين – عائليًا وسياسيًا، وكأن ثقة منتخبي الجمهور لدينا تنحصر في أقاربهم أو دائرة المؤيدين القريبة، وبالمقابل نرى زيادة في إحضار موظفين من المجتمع اليهودي، على غرار طريقة “لاعبي التعزيز”. مما يعني أن الأولوية تكون للمقربين، وما لم ينجح منتخب الجمهور في ذلك يلجأ إلى موظفين من خارج المجتمع العربي!
الخلفية لهذه التعيينات في كثير من الأحيان ليست مهنية بالضرورة، إذ لا يتمتع هؤلاء بمهنية تزيد عن عشرات الأشخاص الملائمين من أهل البلد والبلدان المجاورة، بل ويفتقر بعضهم إلى الشروط الأساسية المطلوبة. وتثير بعض تلك التعيينات شكوكًا لاعتبارات سياسية كتعيين مقربين من وزراء، نشطاء في أحزاب السلطة وغير ذلك. بعض هؤلاء ومع مرور الوقت يصبح الآمر الناهي ليؤثر ويحسم القرار في استيعاب موظفين جدد والتعاقد مع مقاولين، ويساهم في منح المكاسب ممن يروقون له من خارج المجتمع العربي.
ولعل أشد الاستخفاف بقدرات الشباب والشابات في مجتمعنا زعم أحد الرؤساء في إطارٍ طُرح فيه موضوع تعيين مساعدة رئيس من بلدة يهودية مجاورة (مما يعني أن التوجه لرئيس المجلس سيكون بالعبرية فقط)، أن لا أحد “من أولادنا” مناسب للمنصب، مع العلم أن الوظيفة لا تتطلب أكثر من لقب أكاديمي!
في المقابل، يشعر عشرات الشباب الملائمين من البلدة أو البلدات المجاورة أن لا وزن للكفاءات دون التقرب من منتخبي الجمهور. بعضهم يفهمون ذلك مسبقًا، فيمتنعون عن أي تقدم لمناقصة أو طلب للعمل في السلطات المحلية، فيفضلون العمل في أي شركة خاصة أو مؤسسة حكومية خارج البلد – ولا عجب في تلك الظروف أن نرى “هجرة” الأكاديميين للسكن في المدن الكبرى ومركز البلاد، لتخسر سلطاتنا أصحاب القدرات الأفضل للعمل في صفوفها وخدمة جمهورها.
في الواقع، هذه الصورة تكشف عن تغلغل النزعة الحمائلية والاستقطاب الانتخابي وتأثيرهما في العمل اليومي للسلطات، حيث أن النظرة للأنسب والأجدر على أنهم ينحصرون في معسكر رئيس السلطة وائتلافه، دون باقي الأطياف، ولا توجد خطوات ولا نوايا جدية للوصول لأصحاب قدرات وكفاءات من القرى المجاورة أو الملاصقة، فإذا ما لم تجد السلطة “المناسب” من الدائرة المحيطة لإدارتها، نراها تبحث عن “المناسب” من تل أبيب، لا من الفئات الأخرى أو حتى من القرية المحاذية.
فهي إذًا نزعات عنصرية داخلية – إما لاعتبار عائلي أو اعتبار بمقاييس “ابن البلد”، لدرجة تفضيل نشطاء الأحزاب العنصرية عليهم!
مع تزايد أعداد الأكاديميين وتنوع مجالات العمل، يزخر مجتمعنا العربي بالطاقات والكفاءات الشابة، ولا بد للسلطات أن تستغل هذه الموارد لتنجيع وتطوير عملها. المواقع الإلكترونية والنشر المنتظم للمناقصات، القرب الجغرافي بين البلدات والعلاقات الوثيقة بين الناس (خاصة وأننا مجتمع صغير نسبيًا)، تسمح كلها بالوصول إلى أكفّاء، تشجيعهم للانضمام للعمل في السلطات، أو على الأقل طرح الفكرة أمامهم، وبالتالي يكون اختيار الأنسب للوظيفة.
في ظل الحديث عن الحاجة لميزانيات وموارد مادية، تتغافل القيادات المحلية عن ضرورة ضخ الموارد البشرية اللازمة، وتشغيل الأجدر والأفضل. هذا لا يكون دون اعتماد مساواة تامة ومنافسة حقيقية في التعيين والاحتكام للكفاءة، بدلًا من سياسة التعيينات “المطبوخة”.
المحامي نضال حايك هو مدير عام جمعية “محامون من أجل إدارة سليمة”. المحامي محمد قدح عضو الطاقم القانوني في الجمعية.