بقلم د. نجيب صعب. ابوسنان
نائب رئاسة الاتحاد الإسرائيلي لتعليم الكبار
في قريتي ابوسنان افتتح في سنوات السبعين من القرن الماضي نادي ثقافي لنقابة العمال العامة الهستدروت، وقد باشرت عملي بفعاليات النادي الثقافي خدمة لأبناء القرية عامة، ومن ثم أقيم مجلس العمال الإقليمي “مركز الجليل” بعد ان بدأ اعماله بعدة سنوات كلجنة عمال منطقية للقرى الدرزية والمختلطة في الجليل برئاسة السيد منير فارس آنذاك، وبعد قضاء فترة لا باس بها في خدمة المواطنين من مختلف القرى ومن عدة طوائف، قمنا خلالها بنشاطات مكثفة ومتنوعة لم تعهدها هذه القرى من قبل، حيث شملت مجالات نقابية ، ثقافية ، أدبية وغيرها وذلك في جميع قرى مجلس العمال الإقليمي.
وفي العقد التاسع من القرن الماضي استحدثنا بالإضافة لذلك الكثير الكثير من الفعاليات والنشاطات واهمها “يوم المعلم” وذلك قبيل إقامة مجلس العمال لقرى ابوسنان، كفرياسيف، جديده والمكر، وقد نظمنا في ابوسنان اول يوم للمعلم في تاريخ القرية، وذلك بدعم معنوي ومادي من مجلس العمال الإقليمي وخاصة رئيسه الأخ منير فارس آنذاك، وبهذا نكون قد سبقنا منظمة اليونيسكو الثقافية والتابعة للأمم المتحدة والتي كانت قد اقرت إقامة يوم دولي سنوي للمعلم يُحتفل به في الخامس من أكتوبر من كل عام اعتبارا من عام 1994 وذلك استنادا لاقتراح التوقيع على تنظيم يوم للمعلم منذ 1966 بموجب توصية اليونيسكو والذي يختص بمنظمة العمل الدولية بشان وضع المعلم، ذلك تمشيا مع التوصية آنذاك التي تضمن أداة لوضع معايير للعناية بالمعلم وتحسين أوضاعه من نواح عدة على طريق العناية به وتحسين أوضاعه في مجالات عدة في جميع ارجاء المعمورة، ومن هذه المعايير: دور المعلم الهام والكبير في النواحي التربوية والتعليمية بشكل خاص، وبشكل عام في المجتمع وعلى مستوى الاُسر والافراد، وكذلك مؤهلات المعلم وتطوير امكانياته علمياً وموازاة ذلك اقتصادياً، وكذلك اكراماً وتقديراً لعطائه في مجال عمله في رسالته المقدسة.
وفي رأيي انه من المفروض ان يكون يوم المعلم ليس بمثابة احتفال عابر وكَيل العبارات الرّنانة دون التنويه في بعض الأحيان الى مكانة المربي وانجازاته على الصعيد العملي، وما يمكن استخلاصه على مدى فترة عمله، وبحث ما يستحقه المعلم مقابل ما يُضَحي به في نطاق عمله، ودوره الرئيسي في تحقيق جدول اعمال التعليم وتطويره على الأقل في المؤسسة التي يعمل فيها بشكل خاص, وفي محيطه وقريته من استحداث مبادرات تربوية يُمكنها دفع العملية التربوية قُدماً الى الامام بشكل عام ، وكذلك بحث طرق كفيلة لمواجهة التحديات المتنوعة التي يصادفها المعلم في سبيل تعزيز مهنته واستحداث أنماط ومناهج تتوافق والمستجدات التكنولوجية والالكترونية في ظل الحفاظ على مكانته ومجاراة المستجدات التي ذُكرت مع الحفاظ على الجوهر الأصلي وكيان المعلم واسرته، الامر الذي يؤدي بالتالي الى نجاعة عمله بمبادرة ومشاركة ذوي الشأن قطريا ومحليا.
ومن هذا المنطلق راينا في حينه زملائي وانا منذ اكثر من ثلاثين عاما تقريباً ان نبادر كخطوة أولى الى تنظيم احتفال خاص تكريما للمعلم في النادي الثقافي الهستدروتي في أبوسنان قبيل اعلان منظمة اليونيسكو عن ذلك بنحو بضع سنوات، ونظمنا احتفالا بيوم المعلم احتفاءً بجمهور المربيات والمربين رغبةً منّا في تقديم وإعطاء النزر اليسير على طريق تكريم المعلم واحترامه علما بانه يستحق كثيراً، وقد زاد في التكريم حضور سكرتير عام نقابة المعلمين آنذاك السيد يتسحاك فلبر والى جانبه الأخ ران ليرنر المستشار الخاص للسيد فلبر ولفيف من النقابيين والعاملين في الفروع، ذلك على امل ان تُصبح هذه المناسبة تقليداً سنويا يُقام محلياً وقطرياً ترعاه المؤسسات الفاعلة وذات الشأن في كل قرية ومدينة، كل هذا من اجل الاعتراف بفضل المعلم وتكريما له على ما يبذله خلال عمله في هذه المهنة المقدسة ، ليس في نظري فحسب بل في نظر كافة افراد المجتمع قاطبة ان صح هذا التعبير.
منذ ذلك الحين اخذت هنا وهناك تُنظَّم مناسبات من هذا القبيل بشكل او بآخر، وفي رايي صبّت جميعها إيجابيا في مصلحة وكرامة المعلم والمعلمة رغم كل المستجدات من تحديات عدة على المستوى المهني والنقابي، ومع كل هذا لا تزال الحاجة ماسة للتحسين والتطوير ومقاومة التآكل الذي لحق بالمعلم مهنياً ومادياً، وكلي أمل ان تستفيق جميع المؤسسات محليا وقطريا لإنصاف المعلمين وبدون تأخير ليلحق بركب المربين في الاتحاد الاوروبي وبخطوط عريضة فيما يخص المعلم لكي تُبعد عن جمهور المربين والمربيات التفكير الذي يواكب قسما من المعلمين في الإقلاع عن هذه المهنة والالتحاق بمهنة غيرها تدر عليه دخلاً أوفر يتلاءم مع المجهود الذي يبذله امام التحديات المعيشية التي تقف امامه، ويترتب على الأهالي ولجان الإباء وأُلي الامر مواكبة سير المسيرة التربوية في كل قرية وقرية، لأننا نلاحظ وعن كثب مدى اللامبالاة في هذا المجال، الامر الذي بدون ريب له أبعاد سلبية على الطلاب وتحصيلاتهم بشكل خاص وعلى نجاعة العملية التربوية التي بأمس الحاجة الى المواكبة وتوظيف الموارد وطيب النوايا وجدّية الإرادة المشتركة لذوي الشأن من المسؤولين في وزارة المعارف عامة والمسؤولين المحليين في السلطات المحلية والأُطر الأخرى الفاعلة في هذا السياق، كل هذا نزولاً عند ضمان مستقبل افضل للأبناء واعطائهم الحق الكامل في النهل من ينابيع العلم في ظل تحسين ظروف وشروط عمل المعلمين ، الامر الذي يتطلب وعلى جناح السرعة استبدال الشكليات بالجوهر الصحيح ليصُب في مصلحة الأبناء والمعلمين ليس اكثر, والله ولي التوفيق.