بداية لا بدّ من التّأكيد على الإدانة التي لا لبس فيها لجريمة قتل المرحوم نزار بنات، فالإغتيال السّياسيّ هو من أبشع الجرائم التي ترتكب على المستوى العالميّ، وفي حالتنا الفلسطينيّة هو أكثر بشاعة إذا تمّ على أيدي أفراد من أجهزة أمنيّة فلسطينيّة التي من المفترض أن تحمي مواطنيها، فشعبنا الفلسطينيّ يتعرّض للقتل والقمع منذ أكثر من مئة عام، على أيدي المستعمرين والمحتلين والأصدقاء والأخوة الألدّاء، ومن غير المعقول أن يراق الدّم الفلسطينيّ بأيد فلسطينيّة. ومن المفترض أن تكون حرّيّة الرّأي مصانة ومحميّة مهما كانت الخلافات والإختلافات، و”إذا كانت حريّة المرء تنتهي عندما تبدأ حرّيّة غيره”، فإنّ عقليّة التّخوين والتّكفير مرفوضة تماما، ومن يتجاوز حدوده ويعتدي على الآخرين فالقضاء العادل هو المخوّل الوحيد بمحاكمته وإدانته أو تبرئته حسب القانون.
قد نختلف مع طروحات المرحوم نزار بنات، لكنّنا لا نختلف معه في حقّه بالتّعبير عن رأيه، وفي حقّه بالحياة.
وحسب ما روته أسرة المرحوم نزار بنات عن طريق مهاجمته والإعتداء عليه بالضّرب المبرح بعتلة حديديّة في بيته وأمام زوجته وأطفاله، وما تبع ذلك من قتله سنجد أنفسنا أمام جريمة مزدوجة بحقّه وبحقّ أسرته وبحقّ شعبنا بقضّه وقضيضه.
ومع التّأكيد من جديد على إدانة هذه الجريمة البشعة التي جاء توقيتها في أحلك الظّروف التي تمرّ بها قضيّتنا الوطنيّة، وسلطتنا الفلسطينيّة، ومنظّمة التّحرير الممثّل الشّرعي والوحيد لشعبنا الفلسطينيّ العربيّ، إلا أنّ هذا ليس مبرّرا لمن يتطاولون على نضالات شعبنا وتضحياته.
صحيح أنّ منفّذي هذه الجريمة ومن أعطاهم الأوامر بارتكابها قد وضعوا شعبنا وسلطتنا وتنظيماتنا أمام حكمتنا الشّعبيّة القائلة “مجنون رمى حجر في بير ومية عاقل ما أخرجوه”، لكنّ هذا لا يعني أن نبقى في “حوّامة لطم الخدود وقدّ الجيوب”، وأن ينقاد البعض منّا بقصد أو دون قصد إلى الفتنة والإحتراب الدّاخليّ، بدلا من التّصدّي للاحتلال ومستوطنيه الذين يرتكبون الموبقات في أرضنا وبحقّ شعبنا، وحقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف. وهذا يتطلّب من الحكومة وقيادة السّلطة الفلسطينيّة الإسراع باحتواء هذه الجريمة البشعة، وتبيان الحقيقة كاملة للشّعب، وتقديم الجناة للقضاء لإيقاع العقوبات التي ينصّ عليها القانون بحقّهم، خصوصا وأنّ أكثر المتضرّرين من نتائج هذه الجريمة النّكراء بعد المرحوم نزار بنات الذي فقد حياته، وبعد أسرته الكريمة هو الأجهزة الأمنيّة والحكومة والسّلطة الفلسطينيّة، وحركة فتح وما تمثّله كونها الحزب الحاكم. ومحاكمة الجناة من الأجهزة الأمنيّة معروفة في دول العالم كافّة، فيوم أمس الجمعة حكمت محكمة أمريكيّة على ديريك تشوفين، شرطي مدينة مينيابوليس السابق الذي أدين بقتل جورج فلويد، بالسجن 22 عاما وستة أشهر.
26-6-2021