بقلم: شاكر فريد حسن
رحل الشيوعي الأخير والرائي الأول، جواد القصيدة العراقية وفارس الشعر العربي سعدي يوسف، الحالم والمنفي والغاضب دائمًا، في منفاه القسري الاختياري، لندن، بعيدًا عن موطنه، بلد الرافدين والنخيل، بعد مشوار حياة عريض، تاركًا خلفه الكثير من الذكريات والمواقف السجالية والجدلية، فضلًا عن اعماله الشعرية العديدة.
سعدي يوسف شاعر مسكون بالتفاصيل الدقيقة، وشاعر الدهشة والوهج الشعري، له صوته الخاص ونكهته المميزة وتجربته المتفردة وبصماته الخاصة. كان دائم الحضور والاختلاف في المشهد الثقافي الإبداعي العربي، ودائم الحنين للعراق الحبيب وارهاصات وبواكير القصيدة التي نزفها ألمًا ومعاناة في “أبي الخصيب” قضاء البصرة.
وهو صاحب الدعوة لإقامة جبهة ثقافية لمواجهة المشاريع الاستعمارية والامبريالية والغربية التي تستهدف شعوبنا العربية والقضية الفلسطينية بالأساس.
أعطى سعدي يوسف في حقول الشعر والأدب والثقافة والمعرفة، وقدم اشراقات إبداعية على امتداد عمره، وكتب الكثير من أشعاره وقصائده في منفاه وغربته، وهي مفعمة بالصدق الفني وحرارة التجربة والإحساس العالي بوجع الغربة وألم المنفى.
سعدي يوسف الرائي المسافر، صوت شعري فريد جامع، فيه خلاصة فن مَن سبقوه، وكان طليعة لمن أتوا بعده، لغته صافية مختارة، وشجن مشمس، إذا لفحك شممت ريحته وعبقه، ولم يكن من أصحاب التجارب الباطنية، بل أن كتفيه من غبار المعركة واحزانها أكثر مما على فرسانها المعدودين.
أحبَّ الشعر أكثر من نفسه، واحبَّ الناس أكثر من نفسه، وتميز بالتواضع الآسر، وعكس شعره الحديث المبتكر حساسية عالية أزمات العصر والإنسان المعاصر وهمومه، مع محاولة التأثير فيهما، بطرق وأساليب مختلفة ومتعددة. وسافر سعدي بين الجواز المزوّر والثورة المستحيلة، وأبقى الأوراق المكتوبة والتي لم تكتب بعد.
وداعًا يا شاعر الجمال والموقف، وسلامًا لروحك أيها الولد الطليق، الذي أعلن نبوءته الشعرية لروحه التي اختارت التوقيت الأخير للغياب:
سأرحلُ في قطارِ الفجرِ:
شَعري يموجُ، وريشُ قُبَّعَتي رقيقُ
تناديني السماءُ لها بُروقٌ
ويدفعُني السبيلُ بهِ عُروقُ
سأرحلُ …
إنّ مُقتبَلِي الطريقُ.
سلاماً أيها الولدُ الطليقُ!
حقائبُكَ الروائحُ والرحيقُ
ترى الأشجارَ عندَ الفجرِ زُرقاً
وتلقى الطيرَ قبلكَ يستفيقُ.
سلاماً أيها الولَدُ الطليقُ
ستأتي عِندكَ الغِزلانُ طَوعاً
وَتَغْذوكَ الحقولُ بما يليقُ.