غادر عالمنا يوم أمس الثلاثاء الموافق 25 أيّار، الكاتب القصصي والروائي عدنان عباس، ابن مدينة أم الفحم، وهو في أوج عطائه وإبداعه، تاركًا وراءه إرثًا أدبيًا خصيبًا.
عرفت الراحل عدنان عباس روحيًا وفكريًا، قبل أن أعرفه شخصيًا قبل أربعين عامًا، وكان ذلك عندما كان ينشر كتاباته وتجاربه القصصية الأولى في أدبيات الحزب الشيوعي” الاتحاد، الغد، الجديد”، وكان واحدًا من مبدعين لفتوا نظري في تلك الفترة، فقد كانت أعماله بمجملها واقعية تصور حياة وصمود شعبنا ومعاناة العمال والطبقات الشعبية الكادحة على وجه الخصوص. وشاءت الأقدار أن نعمل معًا في مجال البناء بمدينة حيفا، فتعرفت عليه أكثر وعن كثب، واصبحنا بعد أن أنهينا العمل في الورشة نفسها، نلتقي في ميادين وساحات الكفاح والنضال، وبين حين وآخر كنت أزوره في بيته العامر حيث كنا نتبادل الحديث في شؤون الأدب والثقافة وعن الحياة الأدبية الفلسطينية، وحول العديد من القضايا الاجتماعية والوضع السياسي العام، وعندما صدرت مجموعته القصصية الأولى “أشباح في قرية العمالقة” أهداني نسخة منها، كتبت عنها إضاءة نقدية نشرت في حينة بمجلة “الأسوار” العكية.
عدنان عباس لم يكن خريجًا أكاديميًا، ولم يعلق الشهادات الجامعية في براويز على حائط غرفته، بل انخرط في سلك العمل والاعمال الشاقة منذ صغره، فقد ترك مقاعد الدراسة لمساعدة اهله للعيش الكريم، لكنه انكب على قراءة الكتب المختلفة، وتثقف على نفسه، وانتمى فكريًا وسياسيًا للحزب الشيوعي، الذي وجد نفسه فيه، حيث تبوأ مواقع قيادية مختلفة وأصبح سكرتيرًا لفرع الحزب في أم الفحم.
برزت لدى المرحوم عدنان عباس ميول الكتابة، فكتب القصة القصيرة والرواية والمقالة السياسية والأدبية، ونشر قصصه ومقالاته في صحافة الحزب الشيوعي وفي عدد من الصحف المحلية المنطقية، وفي العام 1989 صدرت باكورة أعماله القصصية بعنوان “أشباح في قرية العمالقة”، ثم تبعها صدور رواياته ” البحر والغضب” و” السماء تمطر الياسمين”، و”العشق والصمود”، ومجموعته القصصية “ليلة عاصفة”، بالإضافة إلى قصتين للأطفال.
وقد لفتت هذا الأعمال اهتمام الكتاب والنقاد، الذين كتبوا عنها وتناولوها بالبحث والدراسة والنقد، نذكر منها دراسات ومداخلات المرحوم فاروق مواسي، والمرحوم حبيب بولس، ومحمد هيبي، وكاتب هذه السطور شاكر فريد حسن.
وكان قد حصل المرحوم على الجائزة التقديرية من قسم المكتبات العامة في وزارة المعارف في تصدر كتبه قائمة الكتب الأكثر قراءة ومطالعة في المكتبات العامة.
وما يميز كتابات الراحل عدنان عباس التزامها بقضايا شعبنا وطبقاته الكادحة وهمومها اليومية، وانتمائه السياسي والاجتماعي ككاتب شيوعي منحاز للعمال والمقهورين والمظلومين ضد القاهرين والظالمين والمستغلين، منتصرًا للطبقات الشعبية العمالية البروليتارية.
كتب عن الوطن والأرض ويوم الأرض، وعن العمال والاستغلال، والترك “الباص” الذي كان يقل العمال إلى تل أبيب، وحياة المعطلين عن العمل، والانتفاضة الفلسطينية المجيدة، وملاحقة المطربين الملتزمين على خلفية غنائهم الوطني، وقضايا وطنية وإنسانية متعددة أخرى.
عدنان عباس من مؤسسي الأدب العمالي الطبقي في ثقافتنا الفلسطينية، ومن رموزه وأعلامه الحقيقيين، والنموذج للكاتب العامل، الذي عاش المعاناة وأحس بالاستغلال على جلده، فكان الأقرب إلى هموم أبناء الطبقة العاملة، والأكثر التصاقًا بهم، والتعبير عن واقعهم وتوصيف حالهم. وهو موهبة قدمت لنا الحياة والأدب بشخصيات عمالية كادحة، من لحم ودم، مطبوعة على الورق، بمهارة جعلته في صدارة كتاب أدب العمال ببساطة أسلوبه، وسهولة سرده.
لم أعرف كاتبًا انغمس في عالم الشغيلة والعمال والناس البسطاء وهمومهم، كما انغمس راحلنا عدنان عباس، ففي كل اعماله نلمس التزامه بالفكر العمالي وتمسكه حد النخاع بمبادئه الوطنية ورؤيته الطبقية الثورية والإنسانية، ويمكننا القول انه كاتب العمال بامتياز.
عدنان عباس.. من الورد إلى الورد تعود. الرحمة لك وسلامًا لروحك الطاهرة، وستبقى في قلوب اهلك واصدقائك ومعارفك ورفاق دربك، وفي ذاكرتنا الثقافية الوطنية.