واضح أنّ بنيامين نتنياهو رئيس الحكومة الإسرائيليّة لا يألو جهدا في سبيل بقائه على رأس الحكومة الإسرائيليّة؛ لينجو بنفسه من المحاكم التي تلاحقه بتهمة الفساد. لذا فقد ركّز على اقتحامات المسجد الأقصى رغم معرفته المسبقة لما يمثّله هذا المسجد في عقيدة المسلمين، كما سابق الزّمن في عمليّة التّطهير العرقيّ في الشّيخ جرّاح في القدس الشّريف، وأطلق العنان لقطعان المستوطنين؛ ليعيثوا فسادا وتدميرا وتخريبا واستيطانا في الأراضي الفلسطينيّة بعد أنّ كرّس قوانين التّمييز العنصريّ في دولته، والتي تسلب الفلسطينيّين حقّهم في المواطنة وملكيّة أراضيهم وغيرها.
لكنّه قبل كلّ ذلك وبمساندة ودعم وتمويل من الإدارات الأمريكيّة المتعاقبة، والتي وصلت ذروتها في عهد الرّئيس الأمريكي السابق رونالد ترامب، سارع في عمليّة تكثيف الاستيطان في الأراضي المحتلة عام 1967، ليجعل “حلّ الدّولتين” أمرا مستحيلا من خلال فرض وقائع استيطانيّة وديموغرافيّة على الأرض.
وحرب الأرض المحروقة الحاليّة التي يشنّها نتنياهو منذ عشرة أيّام على قطاع غزّة، ولم ينج من لهيبها فلسطينيّو الدّاخل الفلسطينيّ والضّفّة الغربيّة بجوهرتها القدس، قد تضمن لنتنياهو تشكيل الحكومة الإسرائيليّة، وهذا ما يريده ويسعى إليه، ورغم أنّ وقف هذه الحرب بات وشيكا بسبب ضغوطات الرّأي العامّ العالميّ، والتي ما كانت لتستمرّ لولا الإنحياز الأمريكيّ الأعمى لإسرائيل، والذي حال دون استصدار قرار من مجلس الأمن الدّوليّ لوقفها، ورغم تكثيف الهجمات الإسرائيليّة على قطاع غزّة، وارتكاب جرائم حرب كاستهداف المدنيّين وبيوت وأبراج ومراكز ومؤسّسات مدنيّة ومساجد وغيرها بشكل متعمّد، بحيث أنّ ما يقارب ال 50% من الضّحايا الشّهداء والجرحى هم من الأطفال والنّساء، وأنّ عائلات فلسطينيّة قد تعرّضت للإبادة، إلا أنّ الإدارة الأمريكيّة ومعها فرنسا وغيرهما اعتبرتها حقّا لإسرائيل في الدّفاع عن نفسها!
صحيح أنّ القدس مفتاح الحرب ومفتاح السّلام أيضا، وأنّها ومسجدها الأقصى وكنيسة القيامة خطّ أحمر، ومن يخترق هذا الخطّ فإنّه سيقع في جحيم لن يستطيع الخروج منه. وقد أثبتت التّجارب ذلك أكثر من مرّة، ويتأكد من جديد أنّ المحتلين والمستعمرين لا يتعلّمون من التّاريخ. لكنّ مشكلة الصّراع الكبرى تكمن في استمرار الاحتلال الإسرائيليّ للأراضى العربيّة المحتلة عام 1967، هذا الاحتلال الذي أهلك البشر والشّجر والحجر، وما كان ليستمر حتّى يومنا هذا وبعد مرور أربعة وخمسين عاما عليه لولا الحماية الأمريكيّة لإسرائيل ودعمها لها في تكريس هذا الاحتلال، وفي خروجها على القانون الدّوليّ، وفي تجاهلها لقرارات الشّرعيّة الدّوليّة بخصوص الصّراع. وإذا كانت الإمبرياليّة العالميّة وفي مقدّمتها الولايات المتّحدة الأمريكيّة تعتبر اسرائيل قاعدتها العسكريّة المتقدّمة في الشّرق الأوسط، فإنّ النّظام العربيّ الرّسميّ والذي هو في غالبيّته صناعة امبرياليّة قد ساعد هو الآخر أمريكا واسرائيل للتّمادي في طغيانهما، وتنكّرهما لمتطلّبات السّلام العادل الذي تنشده شعوب المنطقة، وقد بلغ تخاذل النّظام العربيّ الرّسميّ مداه عندما استجاب المتصهينون العرب لضغوطات أمريكا في تطبيع العلاقات المجّاني مع اسرائيل، على حساب الحقوق العربيّة بشكل عامّ والفلسطينيّة بشكل خاصّ، كما فعل “عيال زايد في الإمارات، وابن عيسى في البحرين وحمدوك في السّودان ومحمد السّادس في المغرب” وهناك غيرهم من يطبّعون في الخفاء أيضا.
وإذا كانت أمريكا وأتباعها من الدّول الإمبرياليّة ومن ورائهما اسرائيل لا يحسبون حسابا للأنظمة العربيّة، فعليهم أن يدركوا أنّهم لن يستطيعوا أن يقفوا أمام إرادة الشّعوب التي تنشد حرّيتها وحرّيّة أوطانها، وهذه الحرب التي افتعلها نتنياهو كي يبقى رئيسا للحكومة الإسرائيليّة قد قلبت السّحر على السّاحر، وغيّرت قواعد اللعبة السّياسيّة في المنطقة، ولا بدّ أنّه وداعميه يدركون أنّ الضّغط يولّد الإنفجار، وعليهم أن يدركوا أنّ القوّة العسكريّة والإفراط في استعمالها لن تجلب الإستقرار ولا السّلام لهم ولا لغيرهم، وأنّ السّلام لن يتحقّق إلا بكنس هذا الاحتلال ومخلّفاته كافّة، وتمكين الشّعب الفلسطينيّ من حقّه في تقرير مصيره وإقامة دولته المستقلّة بعاصمتها القدس الشّريف، وإيجاد حلّ عادل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيّين حسب قرارات الشّرعيّة الدّوليّة.
19 مايو 2021