* المحامي علي أبوهلال
رغم عدم اعتراف إسرائيل بالمحكمة الجنائية الدولية، واتهام المحكمة بأنها “أداة سياسية” ضدّها وبـمعاداة السامية، اضطرت للتعامل مع المحكمة، وحسمت موقفها عبر رسالة تعتزم توجيهها للمحكمة تبلغها فيها بعدم التعاون معها بالتحقيق في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
وقال مكتب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الأسبوع الماضي أن الأخير “أجرى على مدار الأيام الأخيرة مباحثات تناولت موضوع السياسة الإسرائيلية حيال إعلان محكمة لاهاي الدولية (الجنائية الدولية) فتح تحقيق ضد دولة إسرائيل“. وقرر “اعتماد توصيات الفريق الوزاري برئاسة مجلس الأمن القومي، والذي أوصى بعدم التعاون مع المحكمة الدولية، مع عدم ترك كتاب المدعية دون رد، وإنما الرد عليه والتوضيح بأن المحكمة تتصرف بلا صلاحية“. وتابع البيان الصادر عنه: ” ينبغي التوضيح بأن إسرائيل دولة قانون تعرف إجراء التحقيقات داخليا“.
وأشار البيان إن “تدخل المحكمة المرفوض لا يستند إلى أي أسس قانونية بل يتعارض كليًا مع الغايات التي تم إنشاء المحكمة لأجل تحقيقها. إن دولة إسرائيل ملتزمة بحكم القانون وستواصل البحث في كل اتهام يوجّه ضدها بغض النظر عن مصدره، وتتوقع من المحكمة الامتناع عن انتهاك صلاحيتها وسيادتها“. ونقل البيان عن نتنياهو قوله خلال الجلسة: “في حين يحارب جنود الجيش الإسرائيلي بأقصى معايير الأخلاق الإرهابيين الذين يقترفون جرائم حرب صباحا ومساء، تقرر محكمة لاهاي استنكار إسرائيل بالذات. ولا وصف يليق بهذا التصرف سوى النفاق، حيث أصبحت هيئة أنشئت في سبيل حماية حقوق الإنسان، هيئة معادية تحمي الذين يدوسون على حقوق الإنسان“. وقال وزير الجيش الإسرائيلي، بيني غانتس، في وقت لاحق إن قرار محكمة الجنايات الدولية في لاهاي فتح التحقيق ضد إسرائيل حول ارتكابها جرائم حرب في الضفة الغربية وقطاع غزة إنه “أعمى وغير عادل“ووصفه أنه ليس قانوني فقط وانما غير عادل أيضا. وقال غانتس “أنا متأكد من أن العديد من الدول ستتفهم أنه لا يوجد مجال لمثل هذا التحقيق، مما قد يضر العديد من الدول الأخرى في المستقبل”، مضيفا أن مثل هذا التحقيق في المحكمة الجنائية الدولية سيضر بعلاقات إسرائيل مع الفلسطينيين ويجعل من الصعب “تحسين الوضع في المنطقة“.
وجاء الرد الإسرائيلي ردا على الرسالة التي وجهتها فاتو بنسودا المدعي العام للمحكمة الجنائية إلى الحكومة الإسرائيلية شرحت فيها القضايا التي تنوي التحقيق فيها، وطلبت منها إبداء رأيها إزاء التحقيق ومنحتها مهلة بـ30 يوما انتهت يوم الجمعة الماضي. وستحقق المحكمة الجنائية بالحرب الإسرائيلية الأخيرة على غزة عام 2014، ومسيرات العودة عام 2018، والاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية، بما فيها القدس الشرقية، وأوضاع الأسر بالسجون الإسرائيلية. وإسرائيل ليست عضوا بالمحكمة الجنائية الدولية، وسبق أن حذرت الفلسطينيين من التعاون مع المحكمة الجنائية الدولية.
ورغم أن إسرائيل ليست عضوا في المحكمة الجنائية الدولية، غير أن ذلك لا يمنع المحكمة من إصدار مذكرات اعتقال ضد مسؤولين إسرائيليين لغرض التحقيق، وهو ما يقلق الدوائر السياسية والأمنية الإسرائيلية. وذكرت وسائل إعلامية إسرائيلية أن من بين هؤلاء المسؤولين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع الحالي، ورئيس أركان الجيش الإسرائيلي السابق بيني جانتس، ووزير الدفاع الأسبق موشيه يعلون. وكذلك وزراء البناء والإسكان منذ العام 2014، وهم اوري ارشيل، يفعات بيتون، يعقوب ليتسمان، يتسحاق كوهين ويؤاف غالانت. ويجمع مراقبون إسرائيليون على أن ملف الاستيطان في الأراضي الفلسطينية قد يكون الأصعب الذي ستركز عليه تحقيقات مكتب المدعي العام. وذكرت صحيفة “جيروزاليم بوست” في وقت سابق “ستحاول إسرائيل القول بأن بناء المستوطنات ليست جريمة حرب“. وأضافت في توضيح لاستراتيجية التحرك الإسرائيلي: “إذا أصبح الوضع أكثر خطورة، فمن المرجح أن تقوم إسرائيل بإعادة تنشيط شبكتها العالمية من محامي الدفاع في غضون بضع سنوات أو حتى أشهر“.
تدرك إسرائيل ان الوضع أصبح خطيرا وهذا ما يفسر قول بنيامين نتنياهو بعد قرار المحكمة فتح تحقيق في الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة، أن إسرائيل ستواجه حربا قد تشن عليها، لهذا بدأت بمواجهة هذه الحرب بالضغط على الجانب الفلسطيني من خلال فرض عقوبات اقتصادية وأخرى مالية بالإضافة إلى سحب امتيازات الوزراء مثلما فعلت عندما سحبت بطاقة ال V I P من وزير الخارجية الفلسطيني بعد عودته من اجتماع عقدة مع فاتو بنسودا أواخر الشهر الماضي. وعلى الجانب الفلسطيني الاستعداد لمواجهة هذه الضغوطات الإسرائيلية المتوقعة، بالإضافة الى ضغوطات أخرى ربما من قبل إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية، مثل سحب طلب التحقيق التي تقدمت به فلسطين الى المحكمة الجنائية الدولية، وقد يمنع المحكمة ذلك من مباشرة التحقيق، وهذا ما تسعى له إسرائيل.
*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.