حاتم جوعية شاعر مخلوقٌ بالحبِّ ومكوَّنٌ من الحب ، ومصَمَّمٌ للحب من خلال قصيدته « ما أرْوعَك «                                                   .                                                    

                                                                 

 بقلم : الشاعر الناقد د. منير توما – كفر ياسيف   

     ينطلقُ الشاعرُ العربي الفلسطيني الدكتور حاتم جوعية محلِّقًا في قصيدته «ما أرْوَعَك «  في فضاء الحبِّ بلغة عِشْقيّة على لسان الحبيبة العاشقة  له التي تكلَّم  باسمها في القصيدة  متوجهةً إليهِ بروح المُتيّمة في هواهُ ، مُغدِقةً الأوصاف الشاملة على شخصهِ من حيث  حُسْنهِ وهيامها  بمفاتنهِ وشجاعتهِ  وشاعريته الفائقة الجمال والإتقان ناعتةً إياه  بشاعر الشعراء .  وفي كل هذه  الأوصاف يطغى الحسّ النرجسي على الشاعر الذي يضعهُ  بكلمات  ينسبها الى الحبيبة التي يعتبرها بأنها ترى فيه  مثالها الأعلى  وفارس أحلامها  .  وفي هذه المعاني يقول على لسانها :

 

يا ابنَ الأكارم أنت أروعُ شاعر

جعل الحروفَ شموسنا .. ما أَبْرَعَك

يا أبن الاشاوس أنتَ أعظمُ شاعرٍ

كتبَ الحروف  بنزفهِ .. ما أ َشجعَكْ

يا شاعرَ الشعراءِ أنتَ منارةٌ

أرسُمْ  لنا  ما   تبتغي   كي   نَتبَعَكْ

 

إنَّ الشاعر يجعل حبيبته في هذه القصيدة عاشقةً تُعَرِّف حبها له بكونِ هذا الحب تجربة هائلة ، وشاملة وسامية .  فالحب عندها يتدفق في حياتها ، فيفتح قلبها وعيونها ، فتزهر كالزهرة في شمس الربيع  .   إنّ حبَّها للشاعر هو حب كبير، إنّه حالة داخلية من الحب النقي الذي لا يعتمد على الأشخاص الآخرين ، أو العوامل الخارجية ، أو الظروف .. انّه حب تعيشه من الداخل الى الخارج ، وفي ذلك يقول شاعرنا بوصف الحبيبة له :

أنتَ الحبيبُ  شغافُ  قلبي  والمُنى

يا  نورَ عيني  آه  ما .. ما أروعَكْ

مهما ابتعدت فانت تسكُنُ أضلعي

كيفَ اتجهتَ فمهجتي تخطو مَعَكْ

 

أنتَ البهيُّ وبالسناءِ مُسَربلٌ

طولَ المدى ..  وردُ الجنائنِ شَيَّعَكْ

الناسُ مِن طينٍ وأنتَ من الضيا

ءِ  أتيتَ ..  من  نورٍ إلهي  أبْدَعكْ

وفي هذه الأبيات نلحظ ظاهرة الغلو في توصيف الشاعر لنفسهِ من خلال كلمات وتعابير الحبيبة في القصيدة ، وقصد الشاعر من ذلك يمكن أن نسميهِ «ذروة تجارب الحب» التي تترك بصماتهاعلى العُشّاق، والتي لا تنسى أبدًا ، فهذه الصفات يختبرها المُحبّ من الداخل الى الخارج – في اقصى حالات الحب والعشق، وهذا ما يبغي إليهِ الشاعر هنا .

ومن اللافت في قصيدة شاعرنا هذه أنّه ينقل من أعماق عاطفتهِ  وقلبه ما يراه من مشاعر وإخلاص الحبيبة له عندما  يتحدث مباشرةً من مكان الحبِّ غير المشروط  الموجود في داخلها ، فالشاعر يلمسُ الحبَّ  نفسه  في الناس الذين  يتحدث عنهم واليهم :

الغيدُ هامت من  حديثك  تنتشي

والفجرُ يغفو حين تبتغي مَهحَعَكْ

أنتَ الحبيبُ تبثُ في روحي المُنى

ما طابَ عيشٌ لي اذا لن يجمعكْ

فسقيتُ من عينيكَ خمري والهوى

ورحيقُ زهر من حبيبي جرَّعكْ؟

وهذه المعاني التي يوردها الشاعرُ في هذه الأبيات هي مثال ساطع على قوة الكلمة المحبّة .

تخاطبُ المحبوبةُ شاعرها المعشوق بحديثٍ عن الجمال الفني في شعره ، وهي لا تتحدث  عن الحسن  الجمالي فقط  .  بل  تقصد  الجمال  في المعنى الأعمق للكلمة .   وهذا المعنى  يتجسّد في  قول الشاعر عن  لسان المحبوبة المنبهرة بجمالية شاعريته:

في  قمةِ  الابداع  شعرُك رونقًا

الفنُ   والابداعُ   حُسنًا   لمَّعَكْ

ملكُ القريضِ مدى الدهورِ متَوَّجٌ

الكلُّ يهرعُ اذا تحركَ اصبعكْ

وفي ختام هذه الدراسة التحليلية الموجزة لقصيدة  «ما أروعَكْ» للشاعر الدكتور حاتم جوعية نرى أنّ هذه القصيدة هي انفتاح على الشعر الشخصي، فالشعر هنا خافقٌ بأشجى العواطف الانسانية الذاتية، واسماها، وأشدها تأثيرًا في النفوس، لاسيما وأنّ الشعر في هذه القصيدة يرافقه موسيقى ناعمة سلسة ، فلا حرج  أن  نعدّها  من  القصائد الوجدانية المتينة  لغةً وأُسلوبًا ، وتمتاز بتدفّق العاطفة واندفاعها مع كل أثر من تأثيرات الاعتزاز بالذات ، ومع كل حُلم بالسعادة والمكان المرموق في الشعر الفاخر لفظًا ومعنىً وذلك بانفجار الموهبة الحقيقية  للشاعر الشاب الذي  ينساقُ وراء عاطفته  وأحلامه ، كما ينساق وراء أفكاره الزاهية أدبيًا ورومانسيًا واجتماعيًا وانسانيًا كما تواردت إليهِ  وما  تجمّع  فيها من معطيات الشخصية  الشاعرة ، ولما تجلّى فيها من ذاتية الشاعر العميقة .

فللشاعر العزيز الدكتور حاتم جوعية أطيب التمنيات بموفور الصحة والمزيد من التوفيق والابداع والعطاء .

 

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .