في عصر الكورونا، حيث تدار الأمور عن بعد، إدارة موقع إنترنت للسلطة المحلية وتزويده بالمعلومات حول عمل السلطة وخدماتها ليس مجرد مهمة إضافية لتعزيز الشفافية (الّتي قد يشكك البعض في جدواها في إحداث تغيير ملموس)، أو انشغال للجمعيات ومؤسسات المجتمع المدني في صغائر الأمور كما يدعي البعض.
مواقع الإنترنت للسلطات المختلفة، الوزارات والمؤسسات الرسمية الأخرى تشكل في السنوات الأخيرة، وفي هذه السنة الاستثنائية بشكل خاص، وسيلة التواصل الأقرب والأهم بين المواطن والسلطة. لكن، في الوقت الّذي يستخدم فيه المواطنون العرب مواقع وتطبيقات التأمين الوطني، سلطات الضرائب والترخيص لتلتقي الخدمات، غالبية مواقع الإنترنت التابعة للسلطات المحلية العربية تعاني الإهمال، وتكاد لا تقدم أي خدمة هامة للمواطن. على صعيد الشفافية تتقاعس عشرات السلطة المحلية عن نشر معلومات أساسية حول عملها.
مؤشر الشفافية 2020، التقرير السنوي الّذي تنشره جمعية “محامون من أجل إدارة سليمة” للسنة الرابعة على التوالي، يظهر صورة قاتمة فيما يتعلق بتفعيل مواقع الإنترنت في السلطات المحلية العربية، إذ تفيد نتائجه بأن أبسط المعلومات تغيّب عن أعين الجمهور. فمثلًا، 67% من السلطات المحلية لا تسجل (أو على الأقل لا تنشر) جلساتها العلنية – خلافًا للقانون، 84% من السلطات لا تنشر ميزانيتها السنوية، 40% منها لا تنشر القوانين المساعدة، و86% لم تنشر أهم النشاطات المخططة للسنة الراهنة – وإذا كانت هذه المعلومات البسيطة والّتي تنشر غالبيتها لمرة واحدة، غائبة عن مواقع السلطات، لا داعي للتوسع في الحديث عن خدمات يومية لأقسام التعليم، الرفاه، الصحة وغيرها.. كما وتسلط النتائج الضوء على مشكلات جذرية أخرى، مثل خلل في عمل بعض الأقسام (مثل قسم ترخيص المصالح)، وامتناع السلطات عن إشغال وظائف هامة (مثل المراقب الداخلي، مستشارة للنهوض بمكانة المرأة، مفوض حرية المعلومات وغيرها..).
رغم ذلك، ثمة ما يدعو إلى التفائل. حيث يظهر التقرير توجهين إيجابيين. ففي السنة الأخيرة تلاشت ظاهر السطات الّتي عملت بدون موقع إنترنت، والّتي كان عددها 9 عام 2017، إلا أن التحدي الأهم يبقى تزويد تلك المواقع بالمعلومات اللازمة. فكثيرة هي السلطات الّتي تدير مواقعًا شبه فارغة أو غير محتلنة. كذلك نلاحظ من خلال المؤشر ارتفاع متراكم في المعدل الّذي تحصل عليه السلطات والّذي ارتفع من 21% في 2017 إلى 32% هذا العام. يجب التعاطي مع هذين التوجهين بتفاؤل حذر، لكن يمكن القول بأن هناك نقلة ما في التعاطي مع قيمة الشفافية وأهميتها.
على مدار السنوات، تتذرع بعض السلطات المحلية بشح الميزانيات لتبرير التقصير في تفعيل مواقع إلكترونية ونشر المعلومات اللازمة، رغم أن حتلنة موقع إنترنت ليست بالمهمة الّتي تتطلب الموارد الكبيرة وتكفي بضع ساعات من العمل لإنجازها. في السنة الأخيرة حصلت بعض السلطات على دعم حكومي لتطوير خدماتها الرقمية، وذيّلت المواقع بعبارات نحو “بدعم وزارة المساواة الاجتماعية”، إلّا أن الأمر لم يحدث تغيّرًا يذكر. من هنا، فالتحسن في هذا الصدد منوط أولًا وقبل كل شيء بقرار إداري مبدئي بتدريج الشفافية على سلم أولويات القيادة المنتخبة في السلطة وكبار الموظفين.
السنة الأخيرة – الّتي حلّت فيها جائحة كورونا واستشرى الوباء – أثبتت أهمية الشفافية ومكاشفة الجمهور في عمل السلطات وضرورتها لضمان ثقة الجمهور. القرارات الّتي اتخذت في الغرف المغلقة لاقت استهجانًا ولا مبالاة، بينما تلك الّتي اتخذت على الملأ وأمام الكاميرات حظيت باستحسان وانصياع. لذا لا عجب بأن الدول الّتي تمتاز سلطاتها بالشفافية (حسب المعايير الدولية) نجحت أكثر من غيرها في التعاطي مع العدوى والحفاظ قدر الإمكان على سير الحياة الطبيعية.
بدون حد معقول من الشفافية (وفي هذا العصر لا تقتصر الشفافية على إدارة جلسات بأبواب مفتوحة، بل تتطلب أيضًا جهدًا قليلًا في النشر وتقريب ما يدور في أروقة السلطة للمواطن) لا يمكن ضمان ثقة الجمهور والتي بدونها تتضاءل الفرص لاتباع تعليمات وتوجيهات السلطة – هذا بالإضافة إلى المساس بحقوق أساسية من بينها حرية التعبير التي جاءت الشفافية لتحقيقها وعدم نجاعة الخدمات في غياب الشفافية.
التغيير للأفضل في السلطات المحلية العربية مشروط إذًا (إضافة إلى نجاعة العمل والانصياع للقانون)، بالعمل بشفافية – وهذه دعوة للسلطات المحلية لقبول هذا التحدي.
المحامي نضال حايك هو مدير عام جمعية “محامون من أجل إدارة سليمة” والمحامي محمد قدح هو محامٍ في الطاقم القانوني للجمعية