كتبت خلود فوراني سرية –
في حدث فكريّ- فنّيّ فريد من نوعه، تم صباح اليوم الجمعة 2020/11/12 تدشين جدارية في مدينة عكا في موقع مركزي قرب حيّ الفاخورة. كتبت الجدارية على لوحة فنية تحمل بيت شعر للإمام الشافعي بموضوع الصداقة والصدق حين قال:”سلام على الدنيا إذا لم يكن بها صديق صدّوق صادق الوعد منصفا”.
وتأتي هذه الجدارية منتجا لمشروع انطلق منذ سنتين برعاية معهد فان لير في القدس، كان قد بادر إليه الباحث في علم الانسانيات (الأنثروبولوجيا) في جامعة تل أبيب، د. خالد فوراني، حيث دعا للانضمام لهذا المشروع أشخاصا تسكنهم اللغة العربية وتشغلهم في كيفية إعمالها في الفكر والحياة. فتكونت مجموعة بؤرية عنوانها “العربية ومهمة الفكر- زاد المسافر في عالم سافر”. عملت على فحص إمكانيات اللغة العربية في إعمال الفكر، ومدى يقظتها أمام الوجود في واقع يفتقر للتفكر. فكان للمجموعة سلسلة لقاءات شهرية استهلتها بالتعرّف على” أدوات عمل” مستمدة من كتابات اثنين من كبار المفكرين في نقد الحداثة الغربية واغتراب اللغة في العصر الحديث. وهما: لودفيغ فيتغنشتاين ومارتين هيديغر. وذلك من خلال قراءة وتشخيص كل منهما لدور اللغة في تنشيط الفكر، واليقظة أمام الوجود في الكون بالمقاربة مع شعر محمود درويش في اللغة.
عملت المجموعة على مقاربة جملة من الأسئلة الأساسية والوجودية، منها، على سبيل المثال لا الحصر، كيف تعرف من تكون في العربية؟ كيف تنظم علاقتك مع الحق والحقيقة في العربية؟ كيف ترى الموت والحياة في العربية؟
استثمرت بعدها “أدوات العمل” المكتسبة للغوص في نصوص باللغة العربية وذلك بغية الوقوف أمام الأسئلة الوجودية المذكورة أعلاه.
فكان للمجموعة قراءات تحليلية سبرت فيها أغوار أعمال أدبية عالجت هذه المواضيع، وناقشت كنهها. من المواضيع والنصوص الأدبية التي بحثتها المجموعة في لقاءاتها:
- غربتنا في العربية والاغتراب- من خلال رواية “شرق المتوسط” -عبد الرحمن منيف.
- العربية في حضرة الفناء- من خلال رواية “اليوم السابع”- ميخائيل نعيمة.
- العربية أمام العقل والوحي- من خلال قراءة الجرجاني.
- العربية أمام الحق والحقيقة- من خلال راوية “نجمة البحر”- الياس خوري.
- سلطان العربية أمام أعجمية السلطان- من خلال شعر المتنبي.
وبهذا التزاوج بين “أدوات العمل” وأعماق النصوص العربية، توصلت المجموعة لاجتراح مقاربة جديدة لدور اللغة في إيقاظ الفكر، كمسعى أخلاقي.
وجاءت الجدارية نتاجا لسيرورة عمل بين أفراد المجموعة وجمعهم أبيات شعرية في “بقجة”، لشعراء من أعمدة الأدب العربي بمواضيع وجودية كالصداقة والكرامة والكرم. ومن ثم رشحوا فيما بينهم ثلاث بلدان ارتأوا أنها جديرة لتعلق فيها جداريات بهذه الأشعار والمعاني. فوقع الاختيار على مدينة عكا في الشمال، يافا في المركز ومدينة جنوبية لم تحدد بعد. (سيتم تدشينها في باقي المدن تباعا).
وبما أن الجدارية هي التجلي الفنّي لعمل فكري، فقد أوكلت مهمة تحضيرها للخطاط أحمد زعبي الذي عمل بدوره على تصميمها وكتابتها بفن الجرافيتي ليظهر بحلته كمنتج يرجى منه أن يستوقف الرائي وينشط فكره في زمننا الأصفر هذا. ويجدر بالذكر أنه أرفقت للجدارية ترجمة الشافعي للعبرية والإنجليزية على لوحة صغيرة للقراء الأجانب.
وقد رافق العمل على اختيار الموقع، من عكا الفنان وليد القشاش وتيسير خطيب ومحمد سطيلي (أبو مروان) حيث تم تكريمهم بلوحات فنية بقلم الخطاط أحمد زعبي.
مع الالتزام بالتقييدات الواقعة تحت أثر جائحة الكورونا، حضر التدشين وشارك به إلى جانب أفراد مجموعة ” العربية ومهمة الفكر” لفيف من الفنانين المحليين، ممثلون عن معهد فان لير وأفراد من مجال العمل الأهلي. خلال التدشين قدم أفراد المجموعة تعريفا عن مجموعة “العربية ومهمة الفكر”، عن فكرة الجدارية، عن صاحب الأبيات الشعرية -الإمام الشافعي وعن سبب اختيار المكان-عكا.
وقد انضم للحدث، عدد من أهل البلد العكيين حيث استقبلوا المجموعة والعمل بحفاوة معبرين عن تأثّرهم واعتزازهم بأخوتهم أبناء الوطن الواحد ومبادرتهم لمشروع حضاري كهذا في مدينتهم الأثيرة -عكا- واستحضار الإمام الشافعي في حيزها العام، ردا على عمليات الطمس والتهميش التي تمر بها هذه المدينة العريقة والتي قال عنها درويش “عكا أقدم المدن الجميلة وأجمل المدن القديمة “.
بقي أن نعرّف بأفراد المجموعة الذين بفكرهم العميق وعلاقتهم الخاصة بالعربية وعزمهم الصادق، توّجوا مشروعهم، الممتد على مدار سنتين تقريبا من اللقاءات الشهرية في فان لير في القدس وعبر الزوم بمنتج يبرز العربية كمنبع حيوي لتنشيط الفكر في عالم قد يبدي تنكرًا سافرًا له:
- د. خالد فوراني- رئيس المجموعة والمبادر للمشروع
- حنان السعدي- منسقة المجموعة ومساعدة تنظيمية /فان لير
- الشاعر حسين مهنّا- البقيعة
- د. لينا الشيخ حشمة- شفاعمرو
- خلود فوراني سرية- حيفا
- فادي كنعان- طالب دكتوراة، كفر قرع
- المحامي علي حيدر- عبلين
- لؤي وتد- طالب دكتوراة، جت المثلث
- د. عايدة فحماوي- باقة الغربية
- الفنان محمد قندس- يافا
- د. نزيه فسيس- الرامة
- د. أحمد اغبارية- أم الفحم
- مصطفى قصقصي- شفاعمرو