عن دار إلياحور للنّشر والتّوزيع في أبوديس-القدس” صدرت هذا الأسبوع سلسلة قصص الأطفال “حبّ الوطن” للأديب الكبير محمود شقير. وتحوي أربع قصص.
محمود شقير أديب كبير غنيّ عن التّعريف، فقد تخطّت شهرته حدود الوطن الذّبيح، وحدود العالم العربيّ، لتصل العالميّة، حيث ترجمت بعض أعماله لعدّة لغات. فقد كتب القصّة والرّواية للكبار وللصّغار، وهو من مؤسّسي فنّ القصّة القصيرة جدّا. كما كتب المسرحيّة، أدب الرّحلات، السّيرة، مسلسلات وسيناريوهات لمسلسلات تلفزيونيّة وغيرها.
ومحمود شقير المتجدّد دائما في إبداعه، يخوض غمار التّجريب، فيبدع لنا جديدا مدهشا. وفي قصصه هذه “حبّ الوطن” يكتب أربع قصص للأطفال، كلها تخدم فكرتها الرّئيسيّة وهي “حبّ الوطن”. يمكن قراءتها متتابعة أو منفردة كلّ قصّة على حدة، وهو بهذا يقدّم لنا جديدا لم نألفه من قبل، إن لم يكن غير مسبوق.
ويلاحظ أنّ بطلي هذه القصص هما مهدي وجمانة، ومهدي هو حفيد أديبنا القريب إلى قلبه، بينما جمانة اسم يحبّه الكاتب نفسه، وقد سبق أن استعمل هذين الإسمين في كتابات سابقة.
ففي لقصّة الأولى“طيور السّماء” استفاد الكاتب من الموروث الدّينيّ حول الشّهداء، أرواح الشهداء، وهؤلاء أحياء عند ربهم يرزقون، قال تعالى: “وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ [آل عمران: 16]، وقد سأل مسروق عبد الله بن مسعود عن هذه الآية، فقال: “إنا قد سألنا عن ذلك، فقال: ” أرواحهم في أجواف طير خضر، لها قناديل معلّقة بالعرش، تسرح من الجنّة حيث شاءت، ثم تأوي إلى تلك القناديل”.
وجاء في القصّة أنّ مهدي وجمانة شاهدا سربا من الطّيور “يحطّ على بلاط السّاحة وعلى شجرة الرّمّان.
قال أحد الطّيور: نحن قادمون من أعالي السّماء.
قال طائر آخر: نحن أطفال غزّة الشّهداء.” ص3.
إذن فالشّهداء لا يموتون، وتبقى أرواحهم معلّقة في السّماء.
وعندما سأل مهدي وجمانة الطّيور عن مسيرتها أجابت:”إلى المسجد الأقصى وإلى كنيسة القيامة”.ص4. وهنا يرسّخ الكاتب في ذهن الطّفل المتلقّي والقارئ للقصّة، مكانة القدس في عقيدة المسلمين والمسيحيّين من خلال وجود أقدس مقدّساتهم فيها، “طارت الطّيور نحو القدس”وهذه إشارة من الكاتب أنّ الشّهداء في غزّة يرتقون سلّم المجد في طريقهم لتحرير القدس ومقدّساتها.
وفي القصة الثّانية “كلنا شجر”. ترى الطفلان جمانة ومهدي قطعان المستوطنين يهاجمون حقول الحيّ لقطع الأشجار، فصاحا:”المستطنون جاءوا لقطع الشّجر”ص6. فخرج أهالي الحيّ جميعهم لمواجهة المستوطنين الذين ولّوا هاربين. لذا قالت جمانة:” أنا شجرة، ومهدي شجرة، وهؤلاء الرّجال شجر، والنّساء شجر، والأولاد والبنات شجر.” وهذه دعوة لجميع الفئات العمريّة؛ كي ينغرسوا في أرضهم كالشّجر، وأن يحموها من المعتدين.
وفي القصّة الثّالثة”عهد” رأى مهدي على شاشة التّلفاز فتاة فسطينيّة تتحدّى جنود الاحتلال وتقول لهم:” إن قطعتم شجرة من أشجارنا نزرع مئة شجرة” وظهور “عهد” على شاشة التّلفاز جعلها صديقة للجميع”صارت عهد صديقة لمهدي ولجمانة ولكلّ أطفال الحيّ. صارت صديقة لكلّ أشجار الحيّ.” وواضح هنا أنّ المقصود بعهد هي عهد التّميمي من بلدة النّبي صالح قرب رام الله التي تصدّت لجنود الاحتلال بشجاعة، وانتشرت قصّتها في وسائل الإعلام حتّى صارت أيقونة فلسطينيّة.
القصّة الثّالثة”كوكب بعيد في الفضاء” وتدور القصّة حول مدينة القدس حيث “رأى مهدي في المنام مدينة القدس وهي تشكو إليه سوء الأحوال. قالت: تعبت يا مهدي ومن حقّي أن أخرج إلى هذا الفضاء الرّحب في إجازة طويلة.”ص11. وعندما استيقظ من أحلامه ورأى القدس في مكانها أحسّ بارتياح، وروى ما شاهده في المنام لوالدته، وحين التقى الخالة مريم ومعه صديقته جمانة قصّ عليهما حلمه “وهما تصغيان له بانتباه. ثمّ تشعران بارتياح لأنّ القدس ظلّت في مكانها، ولم تغادره إلى أيّ مكان.ص12.
والقارئ لهذه القصّة يستشفّ منها “سوء أحوال” القدس، وما أقدم عليه العربان المتصهينون من تطبيع مجانيّ مع المحتلّين قد أبعد الحلّ الذي يعيد القدس إلى سيادة شعبها وأمّتها، لكن ورغم كلّ ذلك فالقدس مكانها، ولن تقبل الرّحيل، وما المحتلّون إلا “عابرون في كلام عابر”كما قال الشّاعر العظيم محمود درويش”.
وخلاصة القصص أنّها تدعو إلى الصّمود على أرض الوطن كالأشجار الشّامخة، ورغم عهر المرحلة فإنّ الوطن باق مكانه وينتظر عشّاقة القادمين لا محالة.
الأسلوب واللغة: يمتلك محمود شقير لغة شعريّة وشاعريّة سهلة الفهم طيّبة المذاق، وقد صاغ قصصه بلغة فصحى تناسب الأطفال، وقدّم لهم المضامين بتشويق ملحوظ؟
الرّسومات والإخراج جميلة وتناسب المضمون وتقرب فَهْمَ الأطفال له.
جميل السلحوت