عز الدين المناصرة من أبرز الكتاب والمبدعين الفلسطينيين، ومن شعراء الثورة الفلسطينية من أبناء جيل منتصف الستينات. وهو من مواليد قرية بني نعيم ـ قضاء الخليل سنة 1946، فيها ترعرع وتعلم وعمل راعيًا وجمّالًا وبائعًا متجولًا.
بدأ عز الدين شاعرًا في الستينات، حيث كان يكمل دراسته الجامعية في القاهرة، فكتب القصيدة الفلسطينية الملحمية ذات النفس الكنعاني والروح الشعبية المستفيدة من التراث الشعبي الفلسطيني، موظفًا في شعره لغة الحياة اليومية.
أسطورة وخرافة
وعن سيرته الشعرية وتفجر ينابيع الشعر الأولى عنده يقول عز الدين :”بدأت سيرتي الشعرية من طفولة على جبل عالٍ على البحر الميت من جهته الغربية. وبدأ الشعر من مساءلتي لأبي، ما اسم هذا البحر ؟ فقال لي: البحر الميت، فبدأت أتحاور مع نفسي، كيف يكون البحر ميتًا، بدأت أفكر في الوجود المحيط بي، فوجدته حيًا في عناقيد العنب وأشجار التين والزيتون، وآثار اجدادي الكنعانيين في القرى المحيطة . كنت أرى أن ثمة شيئًا لا أفهمه في الحجر والتاريخ، ولم أكن استطيع معرفة عمق شاعرية هذا المكان إلا بالمفهوم القبلي المرتبط بالأسطورة والخرافة، حيث تتداخل الأشياء بين الثقافة الشعبية والمكان والتاريخ”.
بعيدًا عن السطلة الثورية
ارتبط عز الدين المناصرة كشاعر سياسيًا بالحساسية الشعبية ، وليس بالسلطة الثورية أو المعارضة السياسية، وفشل أن يكون منظمًا أكثر من أربعين عامًا، وبقي مستقلًا في أفكاره ويتحالف مع الآخرين وفق قانون الوحدة والصراع.
نشر عز الدين المناصرة إبداعاته الشعرية الأولى في الصحف والمجلات الفلسطينية والعربية، منها: “الأفق الجديد ” و”الآداب” اللبنانية وغيرهما. وكان الديوان الأول قد صدر له بالاشتراك مع شاعرين آخرين من مصر هما رامي السيد وحسن توفيق، وحمل اسم “الدم في الحرائق” ثم أضاف إليه بعض القصائد وصدر تحت عنوان “يا عنب الخليل. أما ديوانه الثاني “الخروج من البحر الميت” فكان تعبيرًا عن خروج لوط من البحر الميت ـ أي من الأرض الخراب. وديوانه الثالث “قمر جرش كان حزينًا “فيتناول قضايا سياسية عديدة بوعي سياسي أكثر نضجًا . أما مجمعيه “باجس أبو عطوان” و “لن يفهمني غير الزيتون” فشكلا مرحلة جديدة في تطوره الشعري ،حيث نزع فيهما نحو الملحمية واختصار الأزمان.
نموذج صادق للإنسان الفلسطيني
عز الدين المناصرة الفتى الفلسطيني الخليلي، هو نموذج صادق للإنسان الفلسطيني الرافض والمتحدي للواقع ، والباحث الدائم عن واقع حقيقي يتعايش فيه. وفي شعره نحس بالدفء الانساني الحميمي ورائحة الوطن والشوق اللاهب للخليل، التي تشكل لديه رمزاً لفلسطين .. فلنسمعه يقول:
مضت سنتان .. قالت جدتي وبكت
وأعمامي يهزون المنابر آه ما ارتجوا
ولا ارتاعوا
مضت سنتان ـ قال
الشاعر المنفي حين بكى
أضاعوني
واي فتى اضاعوا
مضت سنتان، ارض الروم واسعة
وجدي دائماً عاثر
وسوق عكاظ فيها الشاعر الصعلوك
وفيها الشاعر الشاعر
وأعمامي
يقولون القصائد من عيون الشعر
وأمي مهرة شهباء تصهل قبل خيط
الفجر
تفله هنا ضفائرها
وتلبس ثوب الأسود
وأمي تقرأ الأشعار في الأسواق
وفي الغابات عند تجمع الأنهر
وأمي ..ولدت طفلاً له وجهان
يشبهني
فاقسم والدي في القبر أنكرني
وأنكر كل أعمامي
وراحوا ينشدون الشعر
وراحوا يشترون القول بالميزان
وأمي ولدت طفلاً له وجهان
فما ارتجوا ولا ارتاعوا
وكان الطفل ينشدهم قصيدته
ديوان جفرا …
وفي ديوان “جفرا” يركز عز الدين المناصرة على قضية الحريات الديمقراطية، والرمز الكنعاني، والنقد الذاتي الثوري. ويستخدم النفس الملحمي مستفيدًا من البناء الشعري للأساطير والملاحم الكنعانية، وهو في عودته للموروث الكنعاني تأكيد واضح على تجربته القاسية، وهي عودة طبقية واعية:
لا ممالكة الوهم وجهتنا
سنصلي الليلة لشرايين أرض كنعان
أن ترش الغيث من الغربة
ولتسحي يا أمطار أجدادنا على الوهاد
اهطلي في القرى وأعيدي دخان الطوابين
وفي قصائده الكنعانية يمتزج عبق التاريخ الكنعاني بعبق الحاضر، بالمقاومة الشعبية الفلسطينية وبالنضالات الوطنية التي يخوضها الانسان الفلسطيني، فيكتب عن حلحول، التي تستمد شجاعتها ضد الاندثار من نقوش الكنعانيين:
كبرت حلحول
أصبحت في الثامنة عشرة
لتقود التظاهر ضد الاندثار
شجر الشجاعة يخرج من كهوف اليونان
من نقوش الكنعانيين
من أوائل الشعراء
وعز الدين المناصرة من أوائل الشعراء والمبدعين الذين استخدموا رمز “امرؤ القيس” و “زرقاء اليمامة “و “كنعان” و “أبو محجن الثقفي”، وكما يقول ـ فان الرمز ليس ملكًا شخصياً له، لأنه موروث عام، ولكنه كان البادئ باكتشافه. إنه صوت شعري حاد ورافض للهزيمة والاستسلام، قدم للثقافة الوطنية والديمقراطية الفلسطينية والعربية إرثًا أدبيًا وثقافيًا حضاريًا متنوعًا يتراوح بين القصيدة والبحث والدراسة والمقالة الأدبية ،وهو مشارك فعال في الحياة الثقافية العربية المعاصرة، وباحث جاد عن الحقيقة الموضوعية.