شحذْتُ خيالي وأخذْتُ زادي وكلّ طاقاتي ورافقْتُ عدلة في رحلتِها الوعريّة الشّائكة حول مناطق واسعة من المشاعر والذكريات والدخول في التجارب.
أكثر ما شدَّني في هذه المسارات المخاطَبة والنّداء وخاصّةً نداء: “أُمّاه” و “يا أمّي”، الذي فاقَ النصوص عددًا وتخطّى كلّ حدودِها وأفعَمَها حنانًا وحنينًا وذكريات وتضحيات وتدفُّق أحاسيس.
بحثتُ بينَ دفّتي هذا الكتاب، (73 صفحة)، ووجدْتُ على الأقلّ 5 روايات:
الغروب – الدمعات العاتبة – قطار وذكريات – ساعتي شتويّة بامتياز و-بطاقتي ليست للبيع! روايات زاخرة متدفّقة في غدير محدود الحجم، تنتظِرُ الانطلاق الحرّ!
صادفْتُ الكثير من الذكريات والحاضرات، على أديم الحياة وفي عُمقِها!
ينتفِضُ جانبٌ معتمٌ وظلّ في كلِّ ما تكتبين، يا عدلة! وهذه الظلال تضفي بُعدًا وجمالًا على نصوصك. لديَّ شعورٌ أنَّ هناك كلامًا مختبئًا في كلامكِ في طبقاتٍ عميقة لا يراها القارئ ولا أدري إن كنتِ أنتِ معنيَّةً أن تَريْها! ص17، “وأنا يا سيّدي أغوصُ وأقرأ في كتاب وحكايات، عن ذاك الذي نهض باكرًا وأحرق ملفّ القضيّة، وبعثَرَ في عيون القُضاة ذرّات ِ الرماد”.
ووجدتُ في جولتي جانبًا من الروح يُبرِقُ من حينٍ إلى حين ثمَّ يخفُتُ في استحياء أو احترامًا لخصوصيّتِهِ! ص20: “لستُ بائعة ورود، هي الورود تبيعني بأشواكِ ساقِها، وأنا أترأَّفُ بها وأبتاعُ نفسي والأشواق”.
ووجدْتُ غزلًا وغرامًا بالطبيعة، وفي ذات الآن توجُّسًا ومحاولات سبر غور واشتقاق أمل وفرح وكَشْف المجهول! وذلك بحوارٍ مع الطبيعة بظاهِرِها وباطِنِها.
نَفَحات الحزن الساخنة والدافئة تأتي بكثافة رمزيّة، مُغرِقة بخيالٍ مجدول بالوَهْم وبِوَهْمٍ مجدول بالخيال، وخاصّةً عند “غروب” ووجع حلم عابر” حيث تسود أجواء التكوين التي كِدْتُ أرى فيها سفينة نوح!
وأحيانًا كُنتُ أتركُكِ سابحةً في خيالِكِ وأسرحُ في خيالي، فيهزُّني قوْلُكِ: ص26 “أسيرة أنا يا أبي، وحرّيّتي في سجن الذات تفكّ أسر قيودي والاختناق”. ص27: “هي صفعتك يا قدر، ألزمتني فراش الأمل …… أبحثُ عن حبّة حنطة لا لأطحنها بل لأزرعها علّ سنابلها تعاود العطاء من جديد”.
وفي جوٍّ جبرانيٍّ ساحر أراكِ تخاطبين صديقتك الأرض وتحاورين الأم وتناجين ذاتك لكي تترك الضباب والأوهام في “همسة غائمة” ص36: “وها هي عصافير
الروح …… فبالقوة يتلاشى ضباب الأوهام”. وفي “يوم وامرأة نراك، يا عدلة، تقولين لها: كوني أنتِ…لا أكون إلّا حيث يجب أن أكون! وهذا هو النسيج النمطي النموذجي للمرأة في مرابِعِنا! نسيج مبطَّن بالمعضِلات فكرًا ومشاعر! تقولين مع هاملت: ص41 “أكون أو لا أكون” وفي ص44: “أيّها الساكن بين أضلاع
محبّتي، …… مرّات عديدة كلّ الأبواب مفتوحة … وكلّها مغلقة بالقفل ذاته”!
وعثرتُ على مغالاة بالاستعارات، مثلًا في “صمت الأشواق”، وحضَرَني الدرويش: “وأنت تُحرِّرُ نفسَكَ بالاستعارات… فكِّر بغيرِكَ”. فالاستعارات تحرِّر النصّ من مسؤوليّة وضوح وتقنيّة حدّة الصورة والهدف!
وقطفْتُ حبّة كرز جميلة: “الصحراء لا تعرف ظلمها إلّا ساعة الظمأ” أضفتِ بعدًا مميَّزًا على: “والمحبّة لا تعرِفُ عُمقَها إلّا ساعةَ الفراق”-جبران.
أثارني النداء ولفتتني المُخاطَبَة وسألْتُ نفسي: هل مُخاطَبُكِ هو الظالِم أم هو المُجير من الظُّلْم!؟ هل النداء ناتج عن سيناريوهات تدور في الخَلَد وتُقلِق أم النداء مناجاة، أم هو مقابَلة ومواجَهَة وسِجال!؟
عشت الكتاب بكلّ أجوائهِ وخلجاتِهِ وطيّاتِهِ … والتي أنتظر أن تصبّ في جدول روائي، كي تزيد المشهد الكتابي جمالًا…
عافاك وشكرًا لك عدلة شدّاد خشيبون