إذا كان الرّئيس الفرنسيّ إيمانويل ماكرون من أتباع ديانة أخرى فهذا حقّه “لا إكراه في الدّين”، لكن ليس من حقّه ولا من حقّ غيره أن يسيء للدّين الإسلاميّ، فالإساءة للأديان لا تدخل ضمن ما يسمّى حريّة الرّأي، وبغضّ النّظر عن الإيمان أو عدمه، فإنّ الإساءة لأيّ دين هي إساءة لمعتقدات ومشاعر أتباع هذا الدّين، لكن يبدو أنّ العالم الغربيّ يتخطّى كلّ الأخلاقيّات والمعتقدات وحقوق الإنسان عندما تتعلّق الأمور بالعرب والمسلمين. فالرّئيس الفرنسيّ ماكرون الذي يخاطبه العالم كما يخاطب أقرانه بفخامة الرّئيس! يتخلّى عن “فخامته” ويزجّ نفسه في صراع مع أكثر من مليار ونصف المليار إنسان من أتباع الدّين الإسلاميّ، وهو وغيره قد يخسر هذا اللقب عندما تنتهي مدّة رئاسته، لكنّ الرّسول محمّد عليه الصلاة والسّلام، سيبقى نبيّا ورسولا كغيره من الأنبياء والرّسل -عليهم السّلام- ما دامت على هذه الأرض حياة. صحيح أنّ الطالب الشّيشانيّ المسلم الذي قتل معلّمه الفرنسيّ دفاعا عن معتقداته قد ارتكب جريمة قتل، وسيحاسب عليها، لكنّ هذا لا يعطي دافعا لرئيس دولة كي يعتدي على دين سماويّ وعلى مشاعر ومعتقدات مليار ونصف المليار مسلم. ولو عاد الرّئيس الفرنسيّ لتاريخ بلاده وتاريخ حلفائه لوصل دون عناء للأسباب التي تجعل بعض الشّباب المسلم يلجأون إلى التّطرّف، فهم من خلقوا التّطرّف الإسلاميّ بطاحونة إعلامهم التّضليليّة، ومن خلال الوثائق التي نشرتها هيلاري كلينتون وزيرة الخارجيّة الأمريكيّة السّابقة تؤكّد أنّ أمريكا وحلفاءها في حلف النّاتو وحليفتهم اسرائيل هم من أسّسوا ودعموا تنظيمات إسلاميّة متطرّفة كالقاعدة وداعش وجبهة النّصرة، وأنصار الشّام وغيرها، لتقوم بأعمال إرهابيّة في المنطقة العربيّة، فقامت بتغرير وتضليل بعض الشّباب المسلم، مستغلّة العواطف الدّينيّة لهؤلاء الشّباب، ليكونوا وقودا في الحروب الظالمة التي استهدفت العراق وسوريّا وليبيا، والسّودان والصّومال والجزائر وغيرها، فدمّرت وخرّبت وقتلت وشرّدت الملايين، في سبيل تطبيق المشروع الأمريكي” الشّرق الأوسط الجديد” لإعادة تقسيم المنطقة لدويلات طائفيّة متناحرة، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعي.
وهل ينسى الرّئيس الفرنسيّ ما قامت به بلاده وغيرها من الدّول الأوروبّيّة، ولاحقا تبعتهم أمريكا من حروب استعماريّة، استهدفت الدّول العربيّة والإسلاميّة، فقتلوا الملايين ونهبوا وما زالوا ينهبون خيرات هذه البلدان؟
وهل كان الرّئيس الفرنسيّ أو غيره ممّن يتشدّقون بحرّيّة الرّأي سيسمح لأيّ كان أن يبصق أو يبول على تمثال لأحد الرّموز الفرنسيّة بذريعة حرّيّة الرّأي؟ وبالتّأكيد أنّه لن يسمح بذلك؟ وبالتّالي فلماذا سمح لنفسه أن يتبرّز من فمه بالسّماح بالإساءة إلى خاتم النّبيّين؟
والقضيّة أنّ الإساءة هنا لا تتعلّق بشخص ما، وإنّما تتعلّق بمعتقدات ورموز دينيّة، وهنا مكمن الخطورة. وإذا كان ماكرون يجهل قداسة المعتقدات في الإسلام فبإمكانه أن يستعين بمستشاريه وبمراكز الأبحاث في بلاده.
25-10-2020