مع فهيم أبو ركن في ديوانه ” استل عطرا “.. بقلم: سامي منصور

رائعة أخرى من روائع الأديب الإعلامي الشاعر الإنسان فهيم أبو ركن، وسنحاول أن نقف، بقدر فهمنا المتواضع، على بعض ما جاء فيها من إبداع جادت به كالعادة قريحة الشاعر الفذ. ولطول الإبحار في الديوان سنجعل تحليلنا البسيط على دفعتين، إذ لا يمكن المرور على المضامين مرّ الكرام علّنا نستطيع إيفاء الشاعر والشعر بعض الحق.

وقد تناولنا بعض الفقرات من بعض القصائد لنثْبتَ أن فهيما يستل حسامه ليس ليقتل، بل كي يرش العطر إذ أن سيفه مصنوع وردا.

قسّم شاعرنا الديوان إلى ثلاثة مواضيع: وطنيّات، وجدانيات ومراثٍ. ونبدأ بالعنوان الثانوي وفيه نرى لمن يهدي فهيم ديوانه، وبالنسبة للعنوان الرئيسي فيقال: استل فلان سيفه بقصد المحاربة كما يقال سلّ الشعرة من العجين. وفهيم بعمله هذا يحاول أن يحارب ليس بالسيف بل بالعطر، رغم غضبه وثورته أحيانا لأن الإنسان فهيما ينكر العنف، وهو يحارب الظلم والإجحاف ويحارب تخاذل الأمة العربية، التي نسيَت أمجادها على مر التاريخ، ويظهر الفهيم كالبحر فتراه ثائرا مرة ورائقا مرة أخرى، ففي الوطنيات يوجّه الشاعر اللوم للأمة العربية والشعب العربي، ويُبدي أحيانا غضبه وخيبة أمله من الفساد والتعصب الأعمى، مع دعوته الصمود والصبر والإيمان.

ونبدأ مشوارنا مع “الوطنيات” ففي قصيدةٍ تحكي حال العرب “الركض نحو النا” يجري شاعرنا نحو مطلقي النار، غير عابئ بالموت فحتى لو مات الجسد تبقى الروح سرمدية أبدية, ونرى فيها صمود الصخر وثبات الأشجار ورقّة الورد: “أنا على التلال صخر وموج في البحار، أنا شجر على السفوح, أنا زهر بحوض الدار”، وفيها دعوة للشعب المتخاذل “كي يرتفع المجد هتافا كالزئير”.

وفي قصيدة “أمة العرب” لوم وتقريع وعتاب بعد أن أطاح “الربيع العربي” بآمال الشعوب: “يا امة العرب المجد مات في دمشق في اليمن في بغداد وقُتِل في حلب، كيف جاء الذل وبسوطه ضرب, ماذا سيقول الأبناء كيف هذا التاريخ انكتب” … ” هل نحن أمة الكسل هل نحن شعب الفشل، نُفسد نعمة الله وما وهب… نحن شعب الأُووووف والموال، نحن شعب الخيال ….”.

في قصيدة “شام يا شام” يندب فهيم حظ هذا البلد الذي طغت عليه الأحقاد، فحلّ الحزن محل الفرح: “أبكيك يا شآم.. بركان حزنك اغتال الفرح.. ويبقى الطفل مرميا على شاطئ الأحزان، صدى صوته ينادي أمي ينادي أبي…. (إشارة إلى الطفل اللاجئ الذي هزّت صورة جثته ضمائر العالم).

أما في قصيدة “اصرخ أيها الخير” فيتردد الشاعر أثناء جلوسه مع نفسه بين الأمل واليأس: “اعرف أن اللؤم شرّ بلا قيود والتطرف إن أفلت ليس له حدود، وأتساءل هل الخير موجود؟ الشمس تسعى تضيء الفضاء والنحلة تجني العسل لنقطفه بلسما ودواء فيه العطر والشفاء لا أتساءل وأعرف أن الخير موجود … الخير موجود لكنه صامت، اصرخ أيها الخير يكفي السكوت الحق يجب ألّا يموت “.

يا للروعة! في قصيدة “مستعمر الأرض” هناك وصية من الشاعر بالتشبث بها والدفاع عنها، فالأرض لنا ورثناها عن أجدادنا “واحرص على تربة الوادي لأن بها مجدا به الحرف سيف والدواة دم”.

وقد مارس الشاعر أسلوب التناص موظفا بعض كلمات من بيت من قصيدة أبي الطيب المتنبي واستقى منه بعض الألفاظ: “إذا رأيتَ نيوب الذئب بارزة فليس عند ذئابٍ للسلام فم” و “الخيل والليل والأشجار تعرفنا والتل والبحر والإعصار والنّسم”, وهذا أسلوب متبع بين الشعراء إذ نجد الشاعرين العملاقين طرفة وامرؤ القيس يتناولان بيتين في كل شيء؛ الوزن والقافية إلا الكلمة الأخيرة، قال امرؤ القيس:

وقوفا بها صحبي علي مطيهم     يقولون لا تهلك أسى وتجمل.

وقال طرفة:

وقوفا بها صحبي علي مطيهم     يقولون لا تهلك أسى وتجلد

والمتنبي قال:
الخيل والليل والبيداء تعرفني *** والسيف والرمح والقرطاس والقلم.
والمعنى نفسه قاله جاهليًا عروة بن الورد:
الخيل والليل والهيجاء تعرفني *** لم تعرف البيد مثلي فارسًا نجبا.

إذا هذا أسلوب مستعمل ومحبذ لتعميق الشعور التراثي والانتمائي، الجمالي والإبداعي.

ويختتم فهيم هذه القصيدة بحزم وصرامة: “الحق ننزعه ونأخذ الظّلَمَة بما جنوه علينا حيث لا ندم”.

في قصيدة “يا عقل” هناك دعوة من الشاعر للتخلي عن “مسح الجوخ” والتملق والعاطفة المزيفة، ونداء لتحكيم العقل وللفخر والتحلي بالشجاعة ونزع الخيال من العيش: يا عقل اصح كفى تلميع أحذية، ليس السراب براوٍ ذلك البدن… يا عقل اصحَ كفى توبيخ أفئدة، ليس العظيم بمرتاعٍ من المحن…

وهنا نقول: لقد استل فهيم سيفا وطنيا ينثر العطور ليدحر روائح التخاذل والتقاعس واللامبالاة في العالم العربي. فإلى لقاء قريب مع “الوجدانيات” و “المراثي” إن شاء الله.

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .