كتبت عينات عوفاديا، مديرة مركز “زولات”- للمساواة وحقوق الإنسان:
وقع مؤخرًا في البيت الابيض احتفال توقيع “اتفاقية السلام” بين اسرائيل والامارات العربية المتحدة. يتزامن التوقيع مع اقتراح قدمه عضو برلمان نرويجي باسم “كريستيان طايبرنغ غادة” لمنح دونالد ترامب جائزة نوبل للسلام، على تحقيق ذات “السلام”، مما اوصل الاحتيال التسويقي الى ذروته بعد عملية موسعة من الاحتيال التسويقي، والذي خلاله نتنياهو شدد على استعمال كلمة “السلام” بشكل كاذب فيما قصد وصف اعلان علاقات قائمة منذ 3 عقود مع دولة لا يوجد بينها وبين اسرائيل اي صراع ولا تقاسمنا اي حدود.
في ورقة موقف نشرت من قبل معهد “زولات”- للمساواة وحقوق الانسان ندعي انّ محاولة نتنياهو بالاحتيال على الجمهور من خلال اقناعه بتطبيع العلاقات مع الامارات العربيّة المتحدة لن يتوقف عند هذا الحد، انما بعرض هذه الخطوة “التاريخية” وكأنها دون ثمن مقابل، وفق تعبير نتنياهو- “سلام مقابل سلام”. في الواقع، الاتفاق والهادف إلى التدخل في الصراع “السيني- شيعي” بالعالم العربيّ، تم اشتراطه بالانسحاب من “مخطط الضم” والتي طرحت ضمن اطار “صفقة القرن”. هذا المخطط الذي اعتمدت عليه الحملة الانتخابية لنتنياهو والذي كان بارزًا بشدة على الاجندة السياسية التي طرحها نتنياهو في السنة الاخيرة. ثمن اضافي هو صفقة بيع طائرات ال F35 التي حصلت عليها الامارات العربية المتحدة في اعقاب تطبيع العلاقات، ذات الصفقة التي استمر نتنياهو بإنكارها حتى بعد كشفها.
للمتهم، هنالك دافعًا جليًا للكذب علينا. الاتفاق مع الامارات العربية المتحدة مكّن نتنياهو من النزول عن شجرة الضم، والذي بكل الاحوال توقف عن در الفواكه، لكن دون انّ يعد الموضوع وكأنه تنازل او خسارة.
هو قام بذلك من خلال استبدال “انجاز سياسي” معين بآخر. نتنياهو والي يجد نفسه تحت طائلة تهديد بسبب لائحة اتهام مع ثلاث بنود، ازمة صحيّة واقتصادية سببتها جائحة الكورونا، ومظاهرات تتزايد قوتها وتتوسع ضده، حصل هنا على فرصة ذهبية لإخماد شعلة الانتقاد الموجهة ضده، مع حفاظه على تكرار رسالته الثابتة: على المستوى السياسي، نتنياهو الافضل، لا بديل له. هي ايضًا يعي كم صعبًا الإعتراض على خطوة قد تعود بالفائدة على الاقتصاد الاسرائيلي، على السياحة وعلى العلاقات الخارجية لإسرائيل، وأُطر في إطار “اتفاق سلام”، وكم من السهل وصف كل نقد عليه “بالمخلل”.
اول من يدفع الثمن على احتيال نتنياهو هم الفلسطينيين، والذي يعمل اتفاق التطبيع على تكريس الواقع العنيف الذي يعيشون به والسالب لهم حقهم منذ 53 عامًا. الخطوة التسويقية التي قام بها نتنياهو وترامب يقصي الفلسطينيون من النقاش ويمنع حصولهم على مساواة قومية وحق تقرير المصير. هو ايضًا يعمل على وصفها بأنها محتملة وعادية ويبعد إمكانية التوصل الى حلول. حتى الآن، من يتصرف مثل الاحمق هو نحن، والذين نقع في ذات الفخ مرارًا، ولربما بعد 53 عامًا من السيطرة العسكرية على المناطق في الضفة الغربية وصلنا كمجتمع الى حالة من الاعتيادية والاستنزاف، وقيمة العملة الفلسطينية انخفضت بصورة كبيرة بالنسبة لنا.
حقيقةً انّ ثمن احتيال نتنياهو الحالي ايضًا نحن سيكلفنا الكثير، وليس فقط لانه يساعده في الحفاظ على مكانته والتنصل من المحاكمة. تطبيع العلاقات مع الامارات العربية المتحدة، ولاحقًا البحرين، لا يخدمنا كثيرًا، الا انه يكلفنا الابتعاد من حل سياسي قابل للتطبيق وفوري والذي ينهي 60 عامًا من الصراع الاسرائيلي- فلسطيني، ويوقف دائرة الدماء المستمرة منذ عشرات السنوات. هذا التطبيع جاء على حساب حل الولتين، والذي من فترة ليست بالبعيدة كان مقبولا على الطرفيّن وعلى المجتمع الدوليّ، ويقوضه كما يقوض عددًا من المقترحات المختلفة التي انبثقت عنه مثال مبادرة السلام العربية.
من خلال فترة حكم مطولة مليئة بالاكاذيب، الحيل والإحتيال، نتنياهو اكد مجددًا على انه مُحتال وانّ ما يحركه مصلحته الشخصيّة فقط. المظاهرات التي تنظم منذ فترة خارج مقره في القدس هي الشاهد على انّ الجمهور الإسرائيلي بدأ يستفيق ويرفض الاستمرار ببلع اكاذيبه. الآن، ما تبقى هو استنساخ هذه الرؤيا الى المستوى السياسيّ ايضًا، والاعتراف انّ اكاذيب نتنياهو لا تقتصر فقط على الكورونا ولوائح الاتهام، انما تظهر في كل خطوة يقوم بها، بما يشمل اتفاق التطبيع مع الإمارات العربية المتحدة.
حتى لو تم تنظيم مئة احتفال رسمي بالبيت الإبيض، كل هذه الإحتفالات لن تنجح بتحويل صفقة بين 3 قيادات دول يتهافتون على مصالحهم الشخصيّة الى “سلام”. علينا الإعتراف بالحقيقة المرة: نتنياهو يحاول انّ يحتال علينا مجددًا، دعونا لا نمنحه هذه الفرصة.