(عائلة تراسنطا تؤبّن ابنَها مجد مروان شحادة)
يا أختي الحبيبة، يا بعضَ روحي، بل يا روحي أَنتِ، يا بعضَ قلبي، بل يا قلبي أنت، لقد فقدنا فلذةَ كبدِنا، بل لقد فقدنا كبدَنا، ولا يهمّ بعد الآنَ كيفَ سنعيش بلا كبد. اسندي ظهري يا أختي، فقد انكسرَ عمودُهُ، اسندي قلبي يا أختي فقد انكسرَ خاطرُهُ، احضنيني بقوّةِ حبِّكِ وحنانِكِ ورحمتِكِ فلم أعهدِ العيشَ بدونِ كبد.
أعرفُ يا أختي كم صبرتِ وتحمّلتِ وحَلُمْتِ بمجدِكِ سنينَ أَلَمٍ وأملٍ، حتّى أزهرتِ الحياةُ في حديقتِكِ، وفاحَ عطرُها، حتّى ملأَ رئتَيْنا فرحًا وبهجةً وسعادةً. أعرفُ يا أختي كم بكَيتِ بصمتٍ في لياليكِ السّودِ الطّوالِ حتّى يذرفَ البيتُ دمعًا لحظةَ ولادتِهِ باكيًا. كانَ بكاؤُهُ فرحَنا العظيمَ، وكانتِ ابتسامتُهُ جدولَ هنائِنا، وضحكتُهُ نهرَ سعادتِنا المتدفقِ بالأملِ الباسمِ.
أعرفُ يا أختي كم ضاقتْ بكِ الدّنيا حينما جاءَكِ المجدُ، كانَ اتّساعُها كثقبِ الإبرةِ حينَ جاء، وأعرفُ يا أختي أنّ الدّنيا بذهابِهِ ليست أكبرَ من ثقبِ الإبرةِ، إن لم تكنْ أصغرَ وأحقرَ. وأعرفُ أنّك كنتِ تضحكينَ بألوانِ قوسِ قزحٍ في صباحٍ ربيعيٍّ يُغرقُ قلبَنا بفرحِ الحياةِ المُشرق، وأنّكِ ستبكينَ باللّونِ الأسودِ في مساءِ خريفٍ أصفرَ متساقِطِ الأوراقِ.
عانقيني يا أختي، عانقيني، من ستُعزّي الأُخرى يا أختي، أنا أحتاجُ عزاءَكِ، وأنتِ تتحرّقينَ لعزائي، حمامةٌ تعزّي يمامةً، روحٌ تعزّي نفسَها، أمٌّ تُعزّي أُمومتَها، حبٌّ يعزّي قلبَهُ، جسدٌ يُعزّي دفأَهُ، صديقٌ يعزّي وفاءَهُ، أرضٌ تُعزّي فرعَ الشّجرةِ اليابسِ، هلالٌ يعزّي بعضَهُ الذي يلبس ثوبَ الحداد، عينُ تُعزّي أختَها الباكية، أمٌّ تعزّي أختَها في الفاجعة.
مَنِ التي فقدتْ كبدَها يا أختي، أنا، أم أنتِ يا أختي؟ كيف سأعيشُ بدونِ مجد، وكيفَ ستعيشينَ فاقدةَ المجدِ؟ كيف سنحيا بلا مجدِنا يا أختي، فكِلانا أُختانِ حَلُمْنا بمجدٍ واحدٍ، وفرحٍ واحدٍ، وقد عاش الحُلمُ بقدرِ ما انتظرْناه، فنستيقظُ على انقضائِهِ، فما كانَ أقصرَ اللّيلَ، وما صارَ أطولَ اللّيلَ، فاحضنيني يا أختي في ليليَ الطّويلِ، فكم أحتاجُ أُنسَكِ، ودفأَكِ، وحبَّكِ!
سأبقى معَكِ يا أختي، أمُدَّكِ بالصّبرِ، وتقوّينني بالتّحمّل، أعزّيكِ وتُواسيني، أمسحُ دمعَكِ بخاطري المجبور، وتجبرينَ بحنانِكِ خاطري المكسور، كلانا أمٌّ لمجد، أُمّانِ، حزينتانِ، مفجوعتانِ، ناحبتانِ، متعانقتانِ، فمَنْ منهما رونزا، ومَنْ منهما تراسنطا، لقد غطّى الحزنُ وجهَهُما فضاعتِ الملامحُ في وحدةِ القلبينِ، وفي قلبِ المُحبّتَيْنِ، وفي ذوبانِ الاثنينِ في الحزنِ الواحدِ.
أختي العزيزة، الحبيبة، الغالية، كان فرحُنا واحدًا، والآنَ حزنُنا واحدٌ، أختانِ في الأمومةِ، أُمّانِ في الأُخُوّةِ، فعزّيني كيْ أُواسيَكِ، وواسيني كيْ أُعزّيَكِ في مصابِنا الأليم.
إياد الحاج
زميل المربية رونزا شحادة
في مدرسة تراسنطا – عكا
22/9/2020