الصورة من مهرجان الزابود يوم امس
ما قبل الوقفات… توفيق زيّاد (ط):
“نعتز بمواقفكم ونحييكم ونعلن لكم أننا جزء من معركتكم ومشاعرنا مشدودة نحوكم دائما… ومن السخافة التفكير أننا لسنا شعبا واحدا، فلحمكم من لحمنا ودمكم من دمنا وسيف الظالم لا يفرّق بيننا فإنه يسقط على كل ما هو تحته… الزابود-1987م.”
الوقفة الأولى… وما للوطنيّة والعروبة في سياقنا؟!
“دَرْزَنَة” الدروز في ال-48 بمعنى خلق هويّة درزيّة غير فلسطينيّة وغير عربيّة، بدأتها المؤسّسة وبالتعاون مع أزلامها أواسط الخمسينيّات من القرن الماضي، وقد تراوح نجاحها بين صعود وهبوط متناسبا تناسبًا طرديّا مع قوّة ووحدة وتضعضع القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة والدعم الذي يقدّمه حلفاؤها الموضوعيون؛ الأحزاب والحركات الوطنيّة العربيّة.
هذه “الهويّة” سقطت سقوطًا مدويّا فلا تسمع اليوم تقريبًا صوتًا بين الدروز ينكر عروبة الدروز، ولعلّ في الدراسة التي أجراها القسم المتعدّد الثقافات في جامعة حيفا تحت عنوان (بتصرّف): “الدروز والدولة بعد 60 سنة”، لعلّ فيها قطعَا لقول كلّ خطيب، إذ بيّنت الدراسة أنّ لا مكان لهويّة كهذه بينهم لا بل فإنّ %64 رأوا أن المركّب العربيّ في هويّتهم هو أساسيّ.
لكّن العروبة شيء والعروبيّة شيء آخر كما جاء في مقالة لبروفيسور إبراهيم طه نُشرت مؤخّرا في سياق نقاش حول هويّتنا نحن العرب في ال-48. يقول: “العروبة هي الانتماء للعرب بيولوجيّا وبيئيّا ولكن الانتماء إلى العرب يحتاج إلى ترميم مستمر وصيانة فاعلة لا تنقطع، وهذه هي العروبيّة”. بهذا المعنى فإنّ %80 من الدروز في البلاد ليسوا عروبييّن وهذه حقيقة مرّة لا تنفع فيها البيانات والمقالات التجميليّة في الصحف الذي تمارسه بعض رموز القوى الوطنيّة، فالتجمّل هو كذبً لا بل دجل!
هذا الأمر يتناقض كليّا مع معطى آخر في سياق الهويّة وفي سياق: “الدروز والدولة بعد 60 سنة” كما بيّنت الدراسة أعلاه، ودراسة أخرى في مؤتمر هرتسليا في نفس الفترة أشارت: أنّ الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة لدى الدروز تدنّى من بداية العقد (الأول في الألفية) وحتّى زمن الدراسة، أواخر العقد، من 4 نقاط من أصل سلّم من 6 نقاط، إلى 1.6 نقطة من أصل 6 نقاط، هذا الأمر انعكس كذلك على التجنيد الإجباري، فقد أفادت الدراسة أنّه ولأول مرّة تتعدّى نسبة الرافضين للخدمة، المتهرّبين بلغة البحث، ال %50. وقد اعتبر البحث هذه المعطيات خطرًا يجب تلافيه.
كتبت وقلت سابقّا وكثيرًا: إنّ المؤسّسة الإسرائيليّة دأبت وتدأب على تغريبنا، نحن عرب ال-48 جميعًا، عن شعبنا، يعني ضرب وطنيّتنا أو أهمّ ركيزة في وطنيّتنا علاقتنا مع شعبنا، في الصميم، وصُغت ذلك في بعض المحطّات بكلام أدبيّ لا سياسيّ محض، هكذا: “تريد لنا المؤسّسة أن نفرح لترح شعبنا ونترح لفرحه”.
فما حال الدروز في هذا؟!
نجحت المؤسّسة وبالاعتماد على أزلامها بين الدروز؛ “دينيّين” و”دنيويّين” وهم كثرة، أن تصنع من غالبيّة الدروز وفي أضعف الإيمان، حياديّين في فرح وترح أبناء شعبهم بكلّ شرائحه وقطاعاته؛ هنا في ال-48 وفي مناطق ال-67 وفي الشتات. يعني ضربت المؤسّسة وأزلامها الوطنيّة الفلسطينيّة لديهم. وإن لم يستطيعوا أن يفعلوا ذلك عن طريق “درزنة قوميّة” ففعلوه عن طريق “درزنة مذهبيّة”.
ومن نافل القول: أنّ الحياديّة والعدائيّة في هذا السياق هما سيّان اللهمّ إلّا في الكمّ من الضرر المترتّب على كلّ منهما.
الوقفة الثانية… والذي سبق، والزابود.
الزابود أرضٌ تقبع في الحضن الأيسر المقابل للشمس لجبل الجرمق أعلى جبال بلادنا عن سطح البحر، 1208م. منطقة سهليّة خصبة ترتفع 1006م عن سطح البحر، وتمتد على قرابة ال-2200 دونم أرض صالحة للزراعة منها؛ قرابة 800 دونم بملكيّة الناس عجزت الدولة عن نهبها بالطرق “التقليديّة” بعد أن نهبت قرابة ال-1340 دونمًا من هذه الأرض، وفي محيطها هنالك 1050 دونمّا عجزت كذلك مؤسّسات الدولة عن نهبها. فأغلقت المؤسّسة هذه وتلك وغيرها طبعًا أمام استغلال أصحابها لها حماية لزواحف البرّ ونباتاته تحت الإعلان عنها محميّة طبيعيّة. وكي تستطيع الدولة نهبها أرخت الحبل على الغارب لأداتها سلطة الحدائق الوطنيّة والمحميّات الطبيعيّة لخنق أهالي بيت جن تنظيميّا مع كلّ ما ينتج عن ذلك، إلى أن بلغ السيل الزبى في العام 1987م، فتمّ قص “أجنحة” السلطة والثمن كان لقمة العيش والاعتقالات للعشرات والعرق والدم للمئات.
أهمّ ما ميّز تلك الفترة هو الوحدة شبه الكاملة للأهالي، وأيضًا ولا يقلّ أهميّة هو نموّ التوجّه الوطنيّ ولعلّ في كلمات طيّب الذكر والثرى توفيق زيّاد يوم زار البلدة متضامنًا والحفاوة التي استُقبل بها، مؤشّرا:
“نعتز بمواقفكم ونحييكم ونعلن لكم أننا جزء من معركتكم ومشاعرنا مشدودة نحوكم دائما، وقضاياكم قضايانا وقضايا كل شعبنا ولا تتعلّق بالتطوير فقط وإنما بالحفاظ على المستقبل والبقاء هنا. نقدّر وحدة أهالي بيت جن، فهي كنز لا يمكن التخلّي عنه، ويعطي موقفكم المثل لسلطاتنا المحليّة العربيّة، ومن السخافة التفكير أننا لسنا شعبا واحدا، فلحمكم من لحمنا ودمكم من دمنا وسيف الظالم لا يفرّق بيننا فإنه يسقط على كل ما هو تحته.”
وحصلت الجبهة في انتخابات 1988م على المكان الأول في البلدة، وفي الانتخابات المحليّة 1989م تمثّلت لأول مرّة بشكل مستقل في المجلس المحلّي من خلال حركة محليّة بنتها: “أبناء الزابود” بعضويّة ومن ثمّ نيابة رئاسة ولاحقًا رئاسة المجلس المحلّي، وممثلها الكاتب.
الوقفة الثالثة… مع الأسافين.
يأخذ عليّ البعض إنّي مشاكس أحمل دائمًا السلّم بالعرض، وحمل السلّم هكذا ينتج عنه مرّة ارتطامًا برأس هذا وأخرى كتف ذاك، وترتدّ صدمات عائدة إلى رأسي وأكتافي. أصدقكم القول إنّي وفي سنواتي الأخيرة وإن لم أرمه لكنّي أمَلْته نحو الطول – الأمام – بعض الشيء، لعلّ فيما يأخذون عليّ من شكل الحمل صحّة. ولكن الحياة لا تلبث أن ترميك، ف”تعود حليمة إلى عادتها القديمة”، وهذا مجاز وليس فيه إشارة أو اعتراف أنّ عادتي القديمة سلبيّة كعادة حليمة القديمة، فأصلًا لم أُمِل سلّمي إلّا راحة وليس تخليّا، وإمالته ليس بالضرورة مُنجّية.
لم تطُل المدّة حتّى بدأ دقّ الأسافين داخليّا وخارجيّا، وقد عمُقت ليس قبل أن يتشارك في الدقّ عليها العمى والتعصّب العائلي، والشخصيّ الحاملُ إيّاه الحزبيّ غطاءً، فضُربت الوحدة وخُلعت أو خلعت أنفسها من الصفّ الوطنيّ بعض جذوع فانقسمت القوى الوطنيّة. وكانت الثمرة أن عادت سلطة حماية الطبيعة إلى الزابود وبعد عشر سنوات بعد أن طُردت شرّ طرد عام 1987م، عادت تمتطي قضيّة أخرى هي شارع حرفيش- بيت جن، وقد جاء صكّ عودتها على شكل بند في اتفاق ينصّ على: “المجلس المحلّي يمدّ يد العون في كلّ ما يستطيع لسلطة حماية الطبيعة في تنفيذ مهامّها في المحميّة وعلى الغالب في إطفاء الحرائق، بالقوى العاملة والآليّات الملائمة الموجودة لديه”.
أليست مراقبة البناء وتوزيع أوامر الهدم من مهّامّها… نعم وألف نعم، فهكذا تنصّ القوانين!؟
وجاء صكّ العودة كذلك توافق على بند قانون – نظام \ תקנה – رقم 19 (ج) لأنظمة قانون المحميّات الطبيعيّة، ينصّ: “صاحب أرض… مسموح له أن يتصرّف، بالتنسيق مع السلطة، في أرض بملكيّته، ويبني آبار مياه ومخازن زراعيّة، وكلّ ذلك خاضع لقوانين التنظيم والبناء”.
وقانون “كامِنِتس” تنظيم وبناء… أليس كذلك!؟
هذا جاء ثمرة توقيع من السلطة المحليّة بغالبيّة أعضائها ومنهم ممثّل الجبهة في القائمة الشريكة فيها الجبهة المحليّة قائمًا بأعمال الرئيس، والاعتراض الصارخ كان لممثّل أبناء الزابود، القائمة التي كانت وقبل دقّ الأسافين تمثّل الجبهة وراح الصوت المعارض وما من مُصغٍ فقد طغت على المشهد الخطب الرنّانة والتصفيق العائليّ الحاد – طبعًا هذا الكلام مسنود بالوثائق وقد كانت جزءًا من كتابي التوثيقي: “بيت جن الزابود 1987 ملحمة جماعيّة” الصادر عام 2019م.- جاءَ تصرّف سلطة الحدائق الوطنيّة والمحميّات الطبيعيّة الأخير ليكشف الحقائق أمام أعين كثيرين وإن بعد فوات الأوان، ولكن الغريب أنّ الأصوات التي جعجعت حينها عادت لتجعجع وربّما تعتقد أنّ في الجعجعة تغطية على عورات فيها بدأت تتكشّف!
ربّ سائل ولماذا العودة على ذلك وما الفائدة؟!
لأنّ القضيّة ليست خطابات ناريّة، وبيانات بلاغيّة، وتدبيج مقالات التجمّل في الصحافة وخلق أجواء كاذبة عند أبناء شعبنا خارج البلدة، القضيّة توقيع… توقيع… توقيع…، وأهل البلد الشاهد الشهيد كما اعتاد القول سميح القاسم (ط)، كانوا وسيكونون وما دام التوقيع قائمًا، ومن هنا تبدأ المعركة!!!
الوقفة الرابعة… والهجوم الجديد.
الهجوم الجديد ليس جديدًا فقد بدأت علاماته قبل أكثر من سنتين وكنّا في الحركة المحليّة “أبناء الزابود” طرحنا ذلك وما من مُجيب. واستفحل هذا الهجوم قبل أكثر من سنة إذ قام أكثر من خمسة مواطنين بهدم مخازنهم الزراعيّة بأيديهم، وأهل الكهف نيام. وصوتنا الذي كنّا أطلقناه ببيان عام في حزيران 2019 تحت عنوان: “رأس الحيّة – سلطة حماية الطبيعة – يطلّ من جحرها… ومع رأس الحيّة لا تنفع “الحَسْمَسِة” – صُمّت عنه الآذان وطغت الحَسْمَسَة!
هذه المرّة جاء التصدّي شعبيّا وعلى يد عدد من الغيورين وفي مقدّمتهم رجال دين من الشباب من غير الملطّخين بالتجنيد وما شابه ولكن مكمن الخطر في ارتباطهم بالسلطة الدينيّة، هؤلاء تقدّموا الصفوف دون أن ينتظروا ضوءً لا أصفر ولا أخضر من أحد ولو انتظروا لكانت انقطعت حتّى الكهرباء، وجاء التصدّي بعد أن صار السكوت والقنوط والتردّد هي السائدة في الأوساط الرسميّة، وما وقوف الجهات الدرزيّة الرسميّة قطريّا ومحليّا مع الهبّة والمواجهة ظاهرًا إلّا (…..) وعملًا لاستيعاب الموقف وإطفاء شرارته ومن ثمّ تجييره في الاتجاه الذي يرضي المؤسّسة.
وبغضّ نظر ودون غضّ نظر ومع كلّ نوايا بعض الناس الطيّبة، فالبلد أمام معضلة حقيقيّة خلفيّاتها كثيرة، ومنها:
أوّلا: لا وحدة اليوم في البلد، لا بل أكثر من ذلك فكلّ نداءات الوحدة الصادرة من خيّرين تُفشّل مع سبق إصرار وترصّد، ومن المطالبين بها بحكم مواقعهم في السلطة أو خارجها، وهنالك تجاهل قوى فاعلة عن سبق إصرار وترصّد. ولم تُطرح أيّ خطّة عمل للمواجهة لأنّ القيادة المحليّة لا تملك أيّ خطّة، وتنتظر الفرج من “قيادات” قطريّة مذهبيّة وسياسيّة أثبتت التجارب أنّها ليست أكثر من “طفّايات” ومواد الإطفاء التي في حوزتها وبكثرة وعود أسياد أقلّ من عرقوبيّة.
ثانيا وربّما هذا الأهمّ: فإن كان في ال-1987 وراء سلطة حماية الطبيعة قانون يدعمها ولم تكن بطبيعة الحال لأهالي بيت جن يدٌ في سنّه وقد نجحوا أن يلزموا المؤسّسة خطيّا أن تغيّره ثمرة لنضالهم، فإن كان هذا ما كان غير إنّنا اليوم أمام وضع فيه الالتزام أعلاه أُبطِل، وقد عُزّز الإبطالُ وهذا القانون بتوقيع محلّيّ. وأعلى الأصوات “الخطابيّة” اليوم هي من كانت الأعلى يوم وُقّع على البند أعلاه، وفقط نتيجة لنهجٍ عائليّ وتعصّب حزبيّ فئويّ يغلب عليه الطابع الشخصيّ، ولا نستطيع أن ننسب لأصحاب تلك الأصوات عدم فهم المكتوب المقروء. العائليّة عند البعض، وهذا ليس غريبا، أعمت البصيرة، والفئويّة الحزبيّة عند الشقّ الآخر أعمت بصرها وبصيرتها أيضا وعاشت من “فم الأولى” دون أن تكلّف نفسها أن تقرأ قبل أن يوقّع ممثلوها، وهذا جدّ غريب. هذا التوقيع ما تلوّح به اليوم السلطة في وجه الناس!
ثالثا: القوى الوطنيّة الدرزيّة ضعيفة مفكّكة محليّا وقطريّا، لا بلّ تدقّ سكاكين في ظهور بعضها ميدانيّا وتتجمّل بلاغيّا قولًا وكتابة وخصوصًا خارجيّا، حالة لعلّ أكثر ما يعبّر عنها ما دار حول زيارة بعض أعضاء المشتركة التضامنيّة: فإنّه وبعد أن كانت الوفود الوطنيّة في ال-1987م تُستقبل بالترحاب والإكرام، يجرؤ أعضاء في المجلس ومدعومين بأوساط كثيرة داخليّة وخارجيّة أن يعتبروا زيارة نوّاب المشتركة التضامنيّة وغيرها من القوى ركوبًا على ظهر القضيّة يجب أن يُزاح، ولتبلغ الصفاقة عند البعض أن يُقال في جلسة مجلس مفتوحة: “لا تخافوا سنرفع في وجوههم علم إسرائيل- هكذا!”
الوقفة الخامسة… والمسؤوليّة.
التوصيف فيما يخصّ الوطنيّة والعروبيّة هو صحيح جزئيّا، بمعنى إنّه صحيح للعقد الأخير في الألفيّة الجارية أخذًا بالحسبان العقدين الأخيرين فقط، إذ لم يكن الوضع كذلك في العقد الذي سبق وإن لجأنا مرّة أخرى إلى الدراسات العلميّة الصهيونيّة ومؤتمر هرتسليا للشؤون الاستراتيجيّة المذكور، فنجد أنّ هذا المؤتمر أقرّ في أطروحاته في دورته للعام 2009، وكما ذكرنا أعلاه ولا بأس من التكرار: أنّ الشعور بالوطنيّة الإسرائيليّة لدى الدروز تدنّى من بداية العقد (الأول في الألفية) وحتّى زمن الدراسة، أواخر العقد، من 4 نقاط من أصل سلّم من 6 نقاط، إلى 1.6 نقطة من أصل 6 نقاط، وقد اعتبر البحث هذا الأمر خطرًا يجب تلافيه. وقد تناولتْ حينها وسائل الإعلام الموضوع باهتمام لافت وردّت عليه قوى المُمالأة بين الدروز بصفاقة.
وإذا أخذنا الانتخابات البرلمانيّة معيارًا ولو جزئيّا، فالعقد الأول شهد تصاعدًا غير مسبوق في دعم الأحزاب العربيّة، وشهد انطلاقة كبرى لمشروع التواصل مع الفضاء الفلسطينيّ محليّا وإقليميّا، والعربيّ، الأمر الذي اعتبرته المؤسّسة وأزلامها تقويضًا لعماد سياستها تجاه العرب: “فرّق تسُد”. فضربته ومرّة أخرى بالاعتماد على أزلامها العلنيّين والمخفيّين، وما استطاعت فعل ذلك قبل أن تشقّ لجنة التواصل وتضرب وحدتها ومن ثمّ دورها.
وأمّا عمّن يتحمّل المسؤوليّة عن هذا التغيّر التراجعي وعلى الأقل ما بين العقد الأول والثاني، وأصلًا يتحمّل المسؤوليّة عن الوضع السلبيّ في كلّ المجالات، هذا التساؤل كنتُ تناولتُه في دراسات سبقت ومدعّمة بكلّ الوثائق، وباختصار أقول المسؤوليّة تقع على:
أوّلا: القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة التي تضربها ومنذ أوائل الثمانينيّات ال-“أنا” الشخصيّة وال-“أنا” الفئويّة الحزبيّة، وقانون القصور الذاتي الفيزيائي الذي يعاني منه بعضٌ ليس بقليل من “القيادات” نظرًا للجمود العقائدي اللهم إلّا في العودة للدين والتديّن عند البعض. وهنا تجدر الإشارة أنّ بعضًا من “قيادات” هذه القوى أخذت على عاتقها ضرب أيّ عمل مشترك اللهم إلّا إذا كان في كنفها ووفق أجندتها، فالشراكة العربيّة في القائمة المشتركة شرعيّة وأمّا الشراكة بين القوى الوطنيّة العربيّة الدرزيّة فهي الكفر بعينه!
ثانيًا: القوى الوطنيّة العربيّة مع اختلاف مرجعيّاتها الفكريّة والتنظيميّة في تعاملها مع جزئها الوطنيّ العربيّ الدرزيّ. وإذا كان لهذه من عذر فهو الشرذمة التي يعاني منها الصفّ الوطني العربيّ الدرزيّ الذي تصبّ بعض قطاعاته جام غضبها على القوى الوطنيّة الأخرى المختلفة معها فكرًا وسياسة، ولا تفوّت فرصة عن مغازلة “القيادات” الرجعيّة مذهبيّا وسياسيّا محليّا وقطريّا، وأخذها بالأحضان والقبل وأراهم يلعنون الكورونا بسبب تعدّيها على هذا الإنجاز!!!
ثالثًا: ما من شكّ أنّ الوضع الإقليمي “الربيع العربيّ” وما طال العرب الدروز خصوصًا في سوريّا من اعتداءات، والمواقف التي اتخذتها بعض أوساط في جبل الدروز مموّلة من “دروز إسرائيل”، ومواقف أطلقتها قيادات درزيّة إقليميّة وفي طليعتها وليد جنبلاط فعلت فعلها في هذا الانكفاء، وقد استغلّته “القيادات” المحليّة موجّهة من أسيادها أكبر استغلال لتثبيت هيمنتها، وراحت تردّد: “ما لنا من حماية في المنطقة إلّا إسرائيل!”
ملاحظة: طبعُا “سيتنطّح” دعاة ال-“ما طلعت الخبّيزة فالمسؤول الحكومة” وحَمَلَة طريق ال-“الدُّرْهَبّة والعشا شُلْباطة”، وليتحفونا بالسؤال النبوغيّ: “وأين مسؤوليّة السلطة!؟”، لأنّهم هم بشخوصهم وحركاتهم وأحزابهم معصومون عن كلّ خطأ عصمة لم يحظ عليها حتّى الأئمة في بعض مذاهبنا الإسلاميّة.
الإجابة الشافية الكافية لهم: عدوّك لا ينوي لك الخير أمرٌ مفروغ منه، ولكن السؤال هل أنت تنوي الخير لنفسك والشرذمة دينك وديدنك؟!
الوقفة السادسة… والآفاق.
الآفاق أضيق من ضيّقة. فعلى ضوء كلّ ما جاء فالحلّ المطلوب والذي هو إخراج أراضي بيت جن الزراعيّة وبضمنها أراضي الزابود من نطاق صلاحيّات “سلطة الطبيعة والحدائق الوطنيّة”، لن يتاتّى إلّا بالعودة لاتفاق عام 1987م، وهذا غير وارد فقد ألغي هذا الاتفاق كما جاء أعلاه وبقوّة بند في القانون ممهور بتوقيع محليّ، ولذا وكي تستطيع تغيير ذلك فأنت بحاجة لموقف كالذي كان عام 1987م؛ إضراب شامل (استمر حينها 110 أيّام) شمل المدارس، ومواجهات شبه يوميّة مع المؤسّسة، وفي صلبه الوحدة، وقوى وطنيّة محليّة قويّة شريكة وفاعلة، وقيادة محليّة أهلٌ للمواجهة، وقيادة درزيّة مذهبيّة وسياسيّة بغالبيّة أركانها مع الناس، ودعم جماهيريّ عربيّ وطنيّ مرحّب به. هذا كلّه غير متوفّر اليوم، اللهم إلّا الأخير الذي يمكن أن يتوفّر حين يتحقّق ما قبله وهذا ليس في الأفق.
هذا الكلام يُكتب قبل الاجتماع الجماهيري “الدرزي” الذي دعا إليه المجلس المحلّي ليوم 3 آب 2020 في أرض الزابود، ومسبقًا أقول: لن يكون فيه ما يمكن أن يغيّر أو يُبدّل في أطروحات هذه المعالجة، فالرسالة تُقرأ من العنوان وكم بالحري إذا كانت مقروءة في الدعوة شكلًا ومضمونَا!
الوقفة السابعة… والتثبيط والعلقم.
الحقائق أعلاه أمرّ من العلقم ولكنّها الحقائق. والمرارة ومهما “اعْلَقمّت” يمكن لها أن تزول إن توفّرت عوامل زوالها. أول هذه العوامل وأهمّها هو لمّ شمل القوى الوطنيّة، وعيب على ربابنة المشتركة أن يتغنّوا بالشراكة قطريّا ولا يفعلون شيئًا لتعزيز الشراكة عربيّا درزيّا وطنيّا. لمّ شملها يجعل لها هيبة في وجه أعدائها؛ المؤسّسة، و”خصومها”؛ الرجعيّة الدرزيّة، وتعود إلى سابق عهدها في التأثير ميدانيّا، وحينها أيضًا ستزداد هيبتها أكثر وكذلك في وجه حلفائها الموضوعيّين؛ القوى الوطنيّة العربيّة.
إنّي يقظ لربّ قائل غيورٍ أو مغرضٍ أو حقودٍ: ما هذا إلّا تثبيط عزائم!
وجوابي مع اختلاف المتلقّي: كفانا شعارات ووضع كلّ اللوم والملامة على غيرنا، والاكتفاء بالشعارات الرنّانة الطنّانة حداء أمام الميكروفونات، فلقد تقيّات وتغوّطت الناس: “الُّدُرْهَبّة والعشا شلباطة”!!!
الناس في بيت جن ومنذ أن صادروا أرض الخيط بعد النكبة مباشرة، مرورًا بعشرات المواجهات دفاعًا عن المسكن والأرض، كان شعارهم الإقدام والاقتحام وحماية ما تبقّى والتضحية، وعندما وجدوا قيادة “قدّ الحمل” جنوا ثمارًا طيّبة. هذه الروح، روح الإقدام والاقتحام هي جزء من هؤلاء الناس أثبتها التاريخ، وجاهزيّتهم أبديّة، غير أنّه لا يكبح الجواد المقتحم إلّا سوّاس ليس من طبعهم الاقتحام، أو تنفيذًا لإرادة أسياد!
سعيد نفّاع
31 تموز 2020