جميل السلحوت: الرواية كخطاب ثقافي-واقع وتحديات

الرواية واحدة من عناصر البنية الثقافيّة التي تنتجها، وسنركز على الرواية الفلسطينيّة تحديدا، مع التّأكيد على أنّ الثقافة الفلسطينيّة جزء لا يتجزّأ من الثقافة العربيّة، لكنّها تستمدّ في غالبيّتها مضامينها من الواقع الفلسطينيّ وخصوصيّته الفريدة، بسبب النّكبات المتلاحقة التي ابتليت بها فلسطين، وما أفرزته من وقوع فلسطين تحت الاحتلال، وقتل وتشريد شعبها.

ويجدر التّنويه هنا أنّ الفنّ الرّوائيّ عند العرب هو فنّ مستحدث ولا يتجاوز عمره قرنا من الزّمان، ولهذا أسبابه وفي مقدّمتها أنّ هناك من أفتوا بتحريم الرّواية وغيرها من الفنون الإبداعيّة، ومع الأسف حتّى أيّامنا هذه لا يزال بعض التّكفيريّين يصرّون على تحريم الإبداع، باستثناء الشّعر، الذي نجا من سياطهم معتمدين على سماع الرّسول صلّى الله عليه وسلّم لقصائد حسّان بن ثابت، وفي مقدّمتها قصيدة “نهج البردة”.

ومن الأمور التي لم أستغربها أنّ من يزعمون أنّهم حماة “الحقيقة الدّينيّة” قد هاجموا روايتي “الخاصرة الرّخوة” التي صدرت بداية هذا العام 2020، في اليوم الذي صدرت فيه عن مكتبة كل شيء الحيفاويّة، ونشرت الصّحف خبرا عن صدورها مع صورة غلافها، وهاجموني شخصيّا مع أنّ أيّا منهم لم يقرأ الرّواية، وغير مستعد أن يقرأها هي أو غيرها، وعندما أرسلتها إلكترونيّا لمن هاجموها وهاجموني عليها، وكتبت لهم:” أشكرك على حسن أخلاقك، وأبعث إليك الرّواية لتقرأها، وسأقبل رأيك بها مهما كان”. ردّ عليّ أحدهم:” نحن لا نقرأ الرّوايات، لأنّنا مشغولون بعظائم الأمور!” وردّت إحداهنّ:” حسبي الله عليك ألا تخاف على أخواتك وعلى بناتك؟”!

ومع لاقت الرّواية صدى رائعا من كتّاب محترفين، وحظيت بعشرات القراءات النّقدية التي تشيد بها، لأنّني طرقت فيها معاناة النّساء في مجتمعنا، وما يتعرّضن له من اضطهاد، واستشهدت على لسان شخوصها بكثير من الآيات القرآنيّة والأحاديث النّبويّة، وأقوال الفقهاء والأئمّة، حتّى أنّ ناقدا معروفا وهو فراس عمر حج محمد كتب عنها بأنّها تمثّل “الواقعيّة الإسلاميّة”.

ما علينا، سنعود إلى الرّواية كخطاب ثقافيّ، وهذه قضيّة في غاية الأهمّيّة، لم ننتبه لها كعرب بشكل عام وكفلسطينيّين بشكل خاصّ، فطرح قضايانا من خلال الثّقافة والإبداع بأصنافه المختلفة يصل الشّعوب الأخرى أكثر بكثير من الخطاب السّياسيّ الذي لم ننجح فيه أيضا. ولننتبه إلى مدى تأثير شاعرنا الكونيّ الرّاحل محمود درويش، من خلال ترجمة شعره إلى لغات أخرى. ولا نبالغ إذا قلنا بأنّ محمود درويش خدم القضيّة الفلسطينيّة أكثر من الجامعة العربيّة. ومثل درويش هناك شعراء فلسطينيّون عظماء آخرون مثل سميح القاسم، أحمد دحبور، عزّ الدّين المناصرة وغيرهم.

وما ينطبق على الشّعر ينطبق على الصّنوف الأدبيّة الأخرى، ومنها الرّواية باتّساعها شكلا ومضمونا، ومعروف أنّ الرّواية الفلسطينيّة عكست الواقع الفلسطينيّ المعاش، وبرز عندنا روائيّون رائعون ترجمت أعمالهم إلى لغات أخرى. منهم أميل حبيبي، ابراهيم نصرالله، حسن حميد، رشاد أبو شاور، نبيل خوري، جبرا ابراهيم جبرا، محمود شقير وآخرون.

وتأثير الرّواية الذي لا ينفصل عن تأثير الصّنوف الأدبيّة الأخرى يقودنا إلى السّؤال عن وظيفة الأدب؟ وما هو دور الأديب؟ وكما هو معروف فإنّ الأديب المنتمي لوطنه ولشعبه، يتلمّس هموم شعبه وأمّته، ويكتب عنها إبداعيّا، وهو بهذا يوجّه خطابه الأدبيّ إلى شعبه وأمّته قبل أن يوجّهها للشّعوب الأخرى، وبهذا فإنّه يكون ناصحا ومرشدا للحاكم المنتمي لوطنه وشعبه، كما يعمل على تشخيص معاناة شعبه، ويلفت انتباهه للدّفاع عن حقوقه.

فهل نجح الرّوائيّون العرب والفلسطينيّون في خطابهم الثّقافيّ؟ وللإجابة على هذا السّؤال علينا الإنتباه إلى أنّ هناك مثقّفين ومنهم أدباء قد تذيّلوا لحكّام بلدانهم المستبدّين، وروّجوا سياسة الحاكم وزيّنوها وسوّقوها للشّعوب، وكانوا أبواقا لتسويق وتزيين ثقافة الهزيمة والفساد. لكنّ الفلسطينيّين كانت نكبتهم بوطنهم أكبر من كلّ الأشياء الأخرى، والتي يمكن اعتبارها ثانويّة مع الهمّ السّياسيّ، لذا فقد طغى الهمّ السّياسيّ على الهموم الأخرى في الكتابات الفلسطينيّة. ونشرت روايات فلسطينيّة طرحت الهمّ السّياسيّ وانعكاساته الإجتماعيّة منذ عهد الإنتداب البريطانيّ وحتّى يومنا هذا، وهذا ما نشاهده في روايات كثيرين مثل: إميل حبيبي، ابراهيم نصر الله، جبرا ابراهيم جبرا، رشاد أبو شاور، حسن حميد، سحر خليفة، ليلى الأطرش، ديمة جمعة السّمّان وآخرين.

لكنّ السّؤال الذي يفرض نفسه هو هل طرح الرّوائيّ الفلسطينيّ قضايا مجتمعه مثلما طرح الهمّ الفلسطينيّ السّياسيّ؟

والإجابة نعم على استحياء لأنّ ما كتب حتى يومنا هذا غير كاف. فمثلا ابراهيم نصرالله طرح ي روايته “شرفة العار” عن قضايا قتل النّساء على خلفيّة ما يسمّى “شرف العائلة”، ومحمود شقير في ثلاثيّته “فرس العائلة، مديح لنساء العائلة وظلال العائلة” تتبّع حياة جماعة بدويّة عاشت بجوار القدس وكيف تطوّرت من العهد العثماني حتى بدايات القرن الحادي والعشرين، وظهر فيها انحيازه الواضح لقضايا المرأة وللكادحين، وهذا ديدنه في كتاباته كلّها. وجميل السلحوت في روايته الخاصرة الرّخوة طرح قضايا المرأة واستغلالها وهضم حقوقها، في فهم خاطئ حتّى للدّين، كما طرح في روايته “عذارى في وجه العاصفة” معاناة النّساء الفلسطينيّات في النّكبة الأولى عام 1948. كما تطرّقت رولا خالد غانم في روايتها “لا يهزمني سواي” الصادرة عام 2018 لقضايا المرأة، والرّوائيّة الشّابّة مروى فتحي جرّار طرحت في روايتها “جداريات عنقاء” الصّادرة عام 2019 قضايا استغلال المرأة في القرن الحادي والعشرين. هذه كنماذج لكن ما كتب غير كاف حتّى يومنا هذا. ويبدو أنّ تشتّت نصف الشّعب الفلسطينيّ في المهجر، وعدم استقرار من بقوا على أرضهم تحت الاحتلال وبطشه وموبقاته، له دور هامّ في عدم الإلتفات لقضايا المجتمع.

ولا يفوتنا هنا أن نذكر بعض الرّوايات التي كتبها أسرى فلسطينيّون عن معاناة الأسر ومنها: صدرت عام 1973 رواية “المحاصرون”: لفيصل حوراني. و ورواية “الأسير 1578” لهيثم جابر. وروايات “ستائر العتمة” و “مدفن الأحياء” و”أمهات في مدفن الأحياء” ورواية “الشعاع القادم من الجنوب” وحكاية(العمّ عز الدين) لوليد الهودلي، وصدرت رواية ” الشّتات” للدكتور رأفت خليل حمدونة من قطاع غزة وطبعت في العام 2004 طبعة أولى ، وله ثلاث روايات سابقة وهى : ” قلبي والمخيم ” في سجن هداريم وطبعت في العام 2006 ، ورواية ” لن يموت الحلم ” كتبت في سجن عسقلان وطبعت في العام 2007 ، ورواية ” عاشق من جنين ” في سجن نفحة الصحراوى وطبعت في العام 2003. وفي العام 2007 صدرت رواية “قيثارة الرّمل” لنافذ الرّفاعي، ورواية “المسكوبيّة” لأسامة العيسة، وفي العام 2010 صدرت رواية “عناق الأصابع” لعادل سالم.

وفي العام 2010 صدرت رواية “عناق الأصابع” لعادل سالم، وفي العام 2011 صدر رواية “سجن السّجن” لعصمت منصور، وفي العام 2012 صدرت رواية “الشمس تولد من الجبل” لموسى الشيخ ومحمد البيروتي، كما صدر قبل ذلك أكثر من كتاب لحسن عبدالله عن السجون أيضا، ومجموعة روايات لفاضل يونس، وأعمال أخرى لفلسطينيين ذاقوا مرارة السجن. وفي العام 2011 صدرت رواية “هواجس سجينة” لكفاح طافش، وفي العام 2014 رواية “العسف” لجميل السلحوت”، ورواية “عسل الملكات” لماجد أبو غوش، وفي العام 2015 رواية” مسك الكفاية سيرة سيّدة الظلال الحرة” و “نرجس العزلة” إضافة إلى ديواني شعر هما: “طقوس المرة الاولى”، “أنفاس قصيدة ليلية”، ورواية “الكبسولة ” للكاتب الأسير باسم الخندقجي، كما صدرت له عام 2019 عن دار الآداب في بيروت رواية “خسوف بدر الدين”، ورواية “زغرودة الفنجان” للأسير حسام شاهين، وفي العام 2015 صدرت رواية خريف الانتظار المحطات” للكاتب بسام الكعبي، وكذلك “اربعون يوما على الرصيف” لصالح ابو لبن. وبين العامين 2007 و2017 صدرت أربع روايات” خبر عاجل، بشائر، وجع بلا قرار، والكبسولة” لكميل سعيد أبو حنيش. وفي العام 2019 صدرت رواية “العنّاب المرّ” للأسير المحرّر أسامة مغربي.

وصدر كتاب “دائرة الألم” ورواية “ليس حلما” للأسير سامر عصام المحروم.

وصدرت “رسائل في التجربة الاعتقالية” للكاتب الفلسطينيّ الأسير وائل نعيم أحمد الجاغوب، و صدر للجاغوب روايتان من داخل المعتقل، الأولى بعنوان “أحلام”، والثانية بعنوان “أحلام مؤجلة”.

وصدرت رواية “تحت عين القَمَر” للأسير معتز محمد فخري عبدالله الهيموني.”

وفي العام 2015 صدرت رواية “خريف الانتظار” للأسير حسن فطافطة، وفي العام 2016 أيضا صدرت رواية “الحنين إلى المستقبل” لعادل سالم، ورواية “وجع بلا قرار” للكاتب الأسير “كميل أبو حنيش”. وفي العام 2018 صدرت رواية “حكاية سرّ الزيت” لوليد دقّة.

“ورقة مقدمة للقاء ملتقى فلسطين الثالث للرواية العربية الذي عقد بين 8-11 يوليو 2020.”

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .