صدر حديثاً كتاب “خلف العبيدي- رجل من هذا الزّمان” للكاتب علي عطا أبو سرحان، يقع الكتاب في 188 صفحة من الحجم المتوسط.
الكتاب سيره غيرية، كتبها علي عطا بو سرحان، عن الحاج خلف العبيدي رجل الإصلاح والقاضي العشائريّ، راعى الكاتب التسلسل الزمني لسيرة خلف العبيدي، كتب السيرة بموضوعية متطرقا للحياة الاجتماعية والسياسية منذ خمسينات القرن الماضي إلى يومنا هذا.
اقتحم الكاتب ذات الحاج خلف العبيدي، وكشف حركة الذات الباطنية، عشنا مع خلف وعلي منذ الطفولة، وادخلنا الكاتب في تفاصيل حياته وحياة أسرته، سجل تاريخ مرحلة وبيّن أثر الفقر وتداعياته على الأسرة، من خلال هوية خلف يسرد علي عطا أبو سرحان هوية جيل، ويُقدّم درسا للأجيال اللاحقة في الصبر والجلد.
لقد أعطى الحاج خلف صورة أمينة عن نفسه وعن مجتمعه، من خلال أفكاره ومشاعره، حيث فقدت الأسرة عامود البيت- كما كنت تصفه والدة خلف-، لعدم توفر مال للعملية الجراحية التي يحتاجها الوالد، ليقع عبء تكاليف الحياة على أشقاء خلف، محمد وعلي.
بيّن الكاتب أشكال الترّبية الذكورية السائدة، وأثرها على المرأة، (لا هي مع الأهل بخير ولا مع الزّوج بخير)، وبيّن مظاهر قمع المرأة فهي منذ الطفولة تعتني بالبيت والأخوة وتساعد في حلب الأغنام، وحين تتزوج لا يُؤخذ رأيها، غالبا ما يكون الزوج من الأقارب، لا يؤخذ موافقتها، لا وجود فيه لحاجاتها الجسدية والعاطفية.
وفي معرض حديثة عن فضل أخته فاطمة في رعايتهم، يتساءل هل رأف الله بحالها حين شاء القدر إجهاض الوالدة؛ لتخف الأعباء عليها؟ يصف طفولته “الطفولة المعذبة” وحدها إرادة الخالق من تبقي الأطفال في تلك الحقبة من الزمان على قيد الحياة بلا عناية أو حماية، وحين زوجت فاطمة أوكلت المهام من بعدها إلى شقيقتها ندى.
وما أشبه اليوم بالبارحة! إنسان هذا الزمان لا يختلف كثيرا عن إنسان الخمسينات من العقد الماضي، كلاهما يسعى لرزقه ليل نهار، وفي سبيل ذلك لا يفكر بتغيير واقعه المرير، ويقبله كما هو، فلم يبذل والداه جهدا في إعادته إلى المدرسة، ولم يجد من يرشده إلى أهمّيّة التّعليم.
وكان وما زال يضلله الإعلام المفبرك، ويتمسك برأيه بصلابة، يتمسك الوالد بسماع أخبار الحرب من إذاعة” صوت العرب”، ولا يسمع الطرف الآخر، ومع ذلك يبكي الوالد الذي لا تُرى دموعه قط، يبكي من ذلّ الهزيمة.
تناول الكتاب في أول فصوله الحياة الإجتماعية والسياسية، وكان شاهدا على عصره بحقبة تاريخية أليمة مرت على فلسطين والوطن العربي، وتزامنت تلك الفترة مع هدم حارتي الشّرف والمغاربة في القدس القديمة؛ ليكون هيكلهم صفحة (79).
ويذكر الكاتب التحاق الوالد والعمّ عايد في 4 نوفمبر 1938 مع الشهيد عبد القادر الحسيني وإصابتهم في بني نعيم صفحة ( 51).
يشير الكاتب بالحميمية التي ربطت الأخوة خلف وعلي إلى أن توفي علي عام 2008م، يصف علاقتهما بتؤأمان سياميان، وصفٌ يثلج صدر القارئ، هما ينامان على فرشة واحده، ويلتحفان غطاء واحد، وعندما كبرا ازدادت علاقتهما متانة وقوة، فأين أخوة هذا الزمان من ذلك، وقد انشغل كل أخ بمساحة خاصة فيه مكانيا وفكريا عن أخيه.
في الباب الثّاني “الأعراف العشائريّة” يوثق الكاتب مرجعا غنيا في قيمة وأهمية الأعراف العشائرية، موضحا في البداية سبب استحسانها وقبولها عند أبناء شعبنا بسبب وجود الاحتلال، فالأهالي يترفعون عن اللجوء لشرطة الاحتلال ومحاكمه في حل نزاعاتهم، اللجوء إلى الشرطة عار وعيب.
العقلية العشائرية ثقافة شعبية، هي بعيدة غالبا عن الدولة التي تحكمها القوانين والأنظمة، العادة أقوى من القانون.
حتى أن القوى السياسية تقوم على أسس عائلية وعشائرية، مثال ذلك رفيق الحريري ومنظمة أمل في لبنان.
ولإدراك الحكومات لمدى سطوة الأعراف العشائريّة، فإنّها تأخذ بها، ولا تتجاهلها، ليس حبّا فيها، وإنّما ليقينها أنّ الاستغناء عنها تكون عواقبه وخيمة على الأمن الاجتماعيّ، بسبب عادات الثّأر المترسّخة في ثقافة المجتمع صفحة ( 122).
ويبيّن الكاتب مجموعة من القيم التي تتمسك بها الأعراف العشائرية، إذن الأعراف العشائرية نهج حياة كامل متكامل، يسعى لتنظيم المجتمع والمحافظة على أخلاقياته.
وفي الباب الثالث (قضايا العرض) لا يطيل السرد، إشارة إلى أهمية السّتر حتى في تناول قضايا العرض، يُظهر في هذا الباب عظمة القضاء العشائري وجدواه في حفظ البيوت وسّتر بنات المسلمين، وهو ينتصر للمرأة بحديثه عن (صائحة الضّحى)، إذن الأصل الستر وثانيا الوقوف مع من تتعرض للإعتداء.
وفي طقوس القهوة وعاداتها، يقف القاريء معتزا بعروبته وعاداته وجمال طقوسه.
يُنهي الكاتب كتاب ( رجل من هذا الزمان ) بنشر بعض القضايا للإطلاع على نماذج من الحقوق العشائرية، ليتعرف القاريء على قيمة القضاء العشائري وأثره في حل الخلافات، واعطاء كل ذي حقٍ حقه.
تطوي الكتاب بعد أن تعرفت على رجل حقا هو رجل هذا الزمان، رجل إصلاح له مكانته وقيمته وجولاته في سد ثغرات الفرقة بين أبناء هذا الوطن، وله كلمته النافذه وحكمة السديد.
13-7-2020