بعد فسخ الوحدة بين مصر وسوريا عام 1962، وبعد عودة وفد من حزب البعث العربي من زيارة إلى القاهرة، سأله أحد الصّحفيين:
على ماذا اتّفقتم؟ فأجاب: اتّفقنا على أن لا نتّفق!
وفي الواقع وبغضّ النّظر عن إجابة الرّجل إن كانت ساخرة أم جادّة، إلا أنّه قال الحقيقة، فالقادة العرب لا يتّفقون على شيء لصالح شعوبهم وأوطانهم، وهذا ما ثبت على أرض الواقع -مع الأسف-.
ويبدو أنّ حكمة المهلّب ابن أبي صفرة”: تأبى العصي اذا اجتمعن تكسّرا…. واذا افترقن تكسّرت آحادا”. لا تجد من العربان من يأخذ بها. والغريب في عربان ما بعد الحرب الكونيّة الأولى أنّهم يجمعون على الفرقة والتّفرقة، ويتسابقون إلى الهزائم ويعتبرونها انتصارات، وحتّى الخيانة يجعلون منها انتصارات يتغّنون بها. وإذا عدنا إلى الصّراع الشّرق أوسطي “القضيّة الفلسطينيّة” وبقفزة سريعة إلى حرب اكتوبر 1973، فقد خاضت مصر وسوريا الحرب معا، وقبلا بوقف اطلاق النّار معا، والتزمت مصر بوقف اطلاق النّار وتركت الجيش الإسرائيليّ يهاجم الجيش السّوريّ وحده، حتّى وصل مشارف دمشق. وبعد انتهاء الحرب عقدت مصر ما يسمّى “فضّ الاشتباك” وحدها، لتتبعها سوريّا بعد اكثر من عام. وفي العام 1979 وقّع انور السّادات منفردا اتّفاقيّة كامب ديفيد مع اسرائيل، وأخرج مصر من دائرة الصّراع، وأعلن أن “لا حروب مع اسرائيل بعد اليوم!”
وفي حزيران 1982 اجتاحت اسرائيل لبنان واحتلّت العاصمة بيروت، وتصدّت لها منطمة التحرير الفلسطينيّة والحركة الوطنيّة اللبنانية وحدهما.
وفي اغسطس 1990 احتلّ صدام حسين الكويت، ليقع ويوقع العرب معه في متاهات لا نهاية لها حتّى يومنا هذا.
وفي يناير 1991 اتّفق غالبيّة العرب على المشاركة في الحرب الثّلاثينيّة لإخراج الجيش العراقي من الكويت.
وقد تبلورت هزيمة الأنظمة العربيّة بشكل واضح عندما تخلّى العرب عن وفد عربيّ موحّد، وقبلوا المشاركة في اكتوبر 1991 في مؤتمر مدريد بوفود منفصلة، وقبلوا بأن يكون الوفد الفلسطينيّ ضمن الوفد الأردنيّ. وبعدها وقعت منظّمة التّحرير في الفخّ الإسرائيلي عندما قبلت التّفاوض ومنفردة وبشكل سرّي في أوسلو. وتوصّلوا في أيلول 1993 الى اتّفاقات أوسلو التي أوصلتنا إلى ما نحن فيه الآن.
وما بين العامين 1992 و 2002، افتعل المتأسلون الجدد حربا أهليّة في الجزائر، حصدت أرواح مئات الآلاف فيما سمّي “بالعشريّة السّوداء.”
وفي مارس 2003 شنّت أمريكا حربها على العراق فدمّرته واحتلّته وقتلت وشرّدت شعبه وهدمت الدّولة العراقية.
وفي العام 1994 وقّعت الأردنّ اتّفاقيّة وادي عربة مع اسرائيل.
وفي العام 2006 شنّت اسرائيل حربها على لبنان للقضاء على حزب الله، وبعدها شنّت حروبها على حماس في قطاع غزّة المحاصر منذ اواسط العام 2007.
وفي العام 2007 اختطفت حركة حماس قطاع غزة وفصلته عن الضفة الغربية.
وفي يوليو 2011 جرى تقسيم السّودان، وأصبح جنوبه دولة مستقلّة.
وفي العام 2010 بدأ ما يسمّى الرّبيع العربيّ، وسقط نظام القذافي في ليبيا عام 2011 لتبقى ليبيا تعيش حربا دمويّة تغذّيها دول عربيّة وإسلاميّة. وتبعها اسقاط نظام حسني مبارك في مصر.
وفي العام 2012 بدأت حرب كونيّة على سوريّا، شارك فيها مقاتلون من أكثر من 90 دولة باسم الإسلام، وجرى تسليحهم من امريكا واسرائيل وحلف النّاتو وبتمويل عربيّ وإسلاميّ.
وفي العام 2015 شنت السعودية ودولة الإمارات ولا تزال حربا على اليمن باسم التّحالف العربيّ. وكلّ ذلك يصبّ في خانة المشروع الأمريكي “الشّرق الأوسط الجديد” لإعادة تقسيم المنطقة العربيّة إلى دويلات طائفيّة متناحرة. واستبدال أولويّات الصّراع مع اسرائيل وتحويلها إلى ايران.
وفي هذه الأثناء هرولت أنظمة عربيّة لتطبيع العلاقات مع اسرائيل بشكل سرّيّ، حتّى تطوّر الوضع إلى تطبيع وتعاون أمنيّ وعسكريّ بشكل علنيّ، مع شيطنة قوى المقاومة واعتبارها حركات ارهابيّة.
وعندما وصل ترامب الى الرّئاسة الأمريكيّة في انتخابات 2016، قبض تريليونات الدّولارات من الدّول العربيّة النّفطيّة. وتبعها الموافقة على دفع تكاليف القواعد العسكريّة الأمريكيّة وتمويلها على أراضيها، وترافق ذلك مع ضغوطات اقتصاديّة وسياسيّة على السّلطة الفلسطينيّة والأردنّ، وهذا السّباق بين أنظمة عربيّة في الولاء لأمريكا وإسرائيل، شجّع ترامب لفرض مخطّطات نتنياهو لتصفية القضيّة الفلسطينيّة، فجاء اعتراف ترامب في 6 ديسمبر 2017 بالقدس عاصمة لاسرائيل، وتبعه اعتراف امريكا بفرض السّيادة الإسرائيليّة على الجولان السّوريّة المحتلّة. ثمّ الاعلان في يناير 2020 عمّا يسمّى صفقة القرن، لمنع حلّ الدّولتين، وتصفية القضيّة الفلسطينيّة لصالح المشروع الصّهيونيّ التّوسّعيّ، ولاستكمال هيمنة اسرائيل على المنطقة العربيّة برمّتها. وترافق ذلك مع ما نشاهده من ضغوطات على لبنان لإنهاء حزب الله فيها.
ولم يعد غريبا تجيير الإعلام العربيّ الرّسميّ للتغنّي بهذه الهزائم المتلاحقة واعتبارها انتصارات وانجازات لطويلي العمر من “أولي الأمر.”
4 حزيران-يونيو-2020