أخيرًا وصلني هذا الأسبوع بالبريد السريع جدًا، في زمن الكورونا، بعد تأخر أكثر من نصف شهر، ديوان ” ذبح الهديل ” للصديقة العريقة الشاعرة نجاح كنعان داوّد، المقيمة في طمرة الجليلية.
وهذا هو الديوان الرابع لنجاح ، التي تربطني بها صداقة قديمة جدًا ممتدة منذ اربعين عامًا ونيِّف، وكانت شرفتني بتقديم ديوانها ” نايات الحنين “. وقد صدر لها في الماضي ” نايات الحنين، نزف قلم ” و” مد وجزر “.
و” ذبح الهديل ” هو من إصدارات منشورات دار الحديث للإعلام والطباعة والنشر في عسفيا، لصاحبها الشاعر والناشر فهيم أبو ركن. ووقع في 85 صفحة من الحجم المتوسط، ويشتمل على 26 قصيدة، صمم غلافه م. هيثم ديواني، والتصميم الداخلي للفنانة ملكة زاهر. وتهديه إلى ” رجل … من رحيق الورد/ ما زال قلبك/ لا يلوذ صبابة/ أصبحتَ/ في بحر الغرام/ طوافي “.
ويتصدر الديوان قصيدة ” زهرة الروح ” وينتهي بقصيدة ” لحن المودة “.
قصائد الديوان عاطفية ووجدانية فيها لهب الحنين وبزخم الحياة، تتسم بالجمالية التعبيرية والرونق التصويري الوصفي وتدفق الكلام السلس والمعاني الشفافة الصادقة.
ونجاح تكتفي بالقليل الواضح من أساليب البلاغة، بالسجع وموسيقى الحروف، وتأتي قصيدتها هادئة سلسة عفوية متدفقة نابضة بالمشاعر الجياشة، ويطغى عليها حرارة العاطفة، والخيال الشعري، والالفاظ الرقيقة الناعمة والصور الشعرية الجميلة.
إنها تطربنا بعزف أناملها، وتبدع بحروفها المتناغمة صورًا تحيكها وتغزلها وترسمها على دفاتر روحها بدقة السبك وجمال الايقاع ورقة الإحساس، وتنثر كلماتها كحبات اللؤلؤ مجتمعة في نصوص رهيفة دافئة سهلة التعبير وعذبة المعاني.
فلنقرأ من أجواء الديوان :
مَا زَالَ قَلْبُكَ لَا يَلُوذُ صَبَابَةً
أصْبَحْتَ في بَحْرِ الغَرَامِ طَوَافي
أو لَسْتَ تَدْري أنَّ قَلْبَكَ مَسْكَني
الشَّعرُ سَيْفٌ غِمْدُهُ إسْرَافي
عِشْقُ الصِّبَا يُسْبي القُلُوبَ بِرَوْضِهِ
والقَلْبُ يَعْصِفُ وَالأنينُ صِحَافي
وَالعَاشِقُ السَّكْرَانُ أشْعَلَهُ الجوَى
لَوْ كَانَ مَا صَعَقَ الفُؤادَ سُلافي
يَا حَسْرةَ القَلْبِ المؤَجَّجِ بِالجوَى
مُسْتَنْفِرٌ مِنْ رَعْشَةِ الأَطْرَافِ
يَا عَاشِقَا يَبْكِي سَنَاهُ تَوَدُّدًا
إِنٍّي اليَمَامُ وَنَسْمَةُ الصَّفْصَافِ
مَا زِلْتُ أَرْجُو وَالحبيبُ مُفَارِقٌ
يَا لَوْعَةً قَدْ سَكَنَتْ أطْيَافي
في ديوانها ” ذبح الهديل ” تقدم لنا نجاح كنعان داوّد باقة من أزاهير الروض، ونزف الروح وارتعاشات القلب ونبض الوجدان، بكل ما تملك من أحاسيس إنسانية وبما تحمله تجربتها الشعرية الإبداعية من سلاسة الكلمات وجمال اللفظ وصدق التجربة، فتجذبنا وتأخذنا بعيدًا ببوحٍ يلامس أعماقنا وأغوارنا.
وفي المجمل العام، نجاح كنعان شاعرة حالمة شغوفة بالحياة ممتزجة بالحب والعاطفة الحساسة القوية، وتحملنا بأجنحة الخيال إلى بساتين الجمال. فهي باختصار شديد شاعرة رومانسية مرهفة. فتحياتي لها على هذا الإصدار الذي استمتعت بقراءته، واتمنى لها المزيد من العطاء والتألق، مع التقدير لحرفها الأنيق وإحساسها الباذخ وإنسانيتها الرائعة، وقدمًا إلى أمام.