وباء الكورونا لا يفرّق بين دمٍ وآخر. هو يصيب البشر بشكل متساوٍ، وفقط سويا، ومن خلال الالتزام بتعليمات الحكومة، يمكننا الانتصار عليه. ردّد متّخذو القرارات هذه الجملة باستمرار، والتي من المفترض ان تبعث شعورا من التعاون دون التفرقة بالعرق والدين والجندر. ولكن، تبيّن لاحقا، انها جملة مضلّلة. الوباء لا يفرّق بين دمٍ وآخر، ولكن سياسة محاربته تستند على التفرقة التامة.
هذا بدأ حين اتُّهمَ العرب بنشر الوباء، بالرغم من ان الإحصائيات تُظهر عكس ذلك، إذ ان نسبة الحالات الموجودة في البلدات العربية هي منخفضة نسبيا. سمعنا كثيرا عن التخوفات من الانتشار الواسع في المجتمع العربي، في محاولة منهم “لموازنة” الاتهامات اللاذعة تجاه نهج الحريديم- اليهود المتدينين المتشددين، ولكون الأذن الإسرائيلية اعتادت على اتهام العرب بكل مضر.
ما أكّد ان القلق على صحّتنا وسلامتنا لم يكن صادقا هو قلّة الفحوصات المتوفرة في البلدات العربية، نقص في الشرح والإرشاد باللغة العربية، عدم تحويل موارد للسلطات المحلية لمحاربة الوباء وذلك بالرغم من وجودهن في ضائقة مادية ازدادت حدّتها مع الأزمة. قرّرت وزارة الصحة “تغيير سياستها” بعد تشكيل ضغط عليها، ما أجبرها لتحويل موارد للفحوصات، وخصوصا للحملة التوعوية قبيل شهر رمضان الفضيل.
تبدّد أمل التغيير عقب نشر الحملة التوعوية الأولى، اذ كان هدفها سن تعليمات لشهر رمضان – الحفاظ على التباعد الاجتماعي، الإفطار مع العائلة المصغّرة فقط، الحفاظ على النظافة الشخصية وتعقيم اليدين وإلى آخره. ولكن، اختيار الصور التوضيحية، كصورة عائلة، تبدو وكأنها تخاطب مواطني السعودية: طريقة اللباس هو سعودي تقليدي، النساء والفتيات مغطاة من الرأس حتى كفة الرجل، المرأة في الصورة تقف إلى جانب طاولة الإفطار تخدم عائلتها وقت تناولهم الطعام. أثار استخدام هذه الصور النمطية المهينة حفيظة المجتمع العربي، ما أدى إلى حذف الحملة على الفور.
اعتقدنا ان الخطأ كان صدفة ونبع عن جهل، ولكن صدر في اليوم التالي فيديو قصير يحمل نظرة نمطية أكثر اهانة، ولكن هذه المرة من خلال قولبات تعزز الذكورية وتصغر النساء. كان الهدف من الفيديو التوجه للنساء وتشجيعهن على البقاء في البيت والحفاظ على بقية ابناء العائلة في البيت. نرى في الفيديو امرأتان متقدمتان في السن، جدتان، تلبسان لباسا تقليديا، وتحضران “ورق الدوالي”، وتطلبان من باقي النساء، مستخدمتان الفاظا مهينة، تحضير “ورق الدوالي” فقط في البيت. هكذا ينظرون إلى دور المرأة العربية؟ البقاء في البيت والعمل جاهدة على تحضير الطعام؟ هل النساء العربيات جاهلات إلى هذا الحد ليتم مخاطبتهن بلغة عربية عامية بسيطة جدا؟ تم حذف هذا الفيديو أيضا عقب الانتقادات.
هل وزارة الصحة جاهلة إلى هذا الحد؟ إذا كان الجواب نعم، فهذا جهل خطير. كيف يمكن لهذا ان يحدث؟ يعمل في وزارة الصحة عدد لا بأس به من العرب، إذ أن 30% من أفراد الطاقم الطبي في إسرائيل هم ابناء وبنات المجتمع العربي. من الجلي ان المسؤولين في وزارة الصحة لا يرون بالعرب شركاءً في صنع القرارات. من المريح أكثر تحويل هذه المهمة والمسؤولية إلى جسم خارجي- مكتب الدعاية، لأنه “لماذا علينا التعامل مع أولئك العرب”. ليس بقدرتهم الفهم ان المجتمع العربي أكثر ذكاء منهم. الجمهور العربي جاهز للالتزام بالتعليمات، فقط إذا اقتنع انه مهنية وتتلاءم مع نمط حياته.