جمال الدرعاوي: قراءة في كتاب رجل من هذا الزمان

صدر قبل أيام كتاب “خلف العبيدي- رجل من هذا الزمان” لمؤلفه علي عطا أبو سرحان، ويقع الكتاب الذي صمّمه ومنتجه فادي حمدان في 188 صفحة من الحجم المتوسط.

رجل من هذا الزمان، كتاب بين دفتيه حزن وفرح، يأخذك الكاتب الى كل زاوية جالها هذا الرجل ولحظة فرح وألم عاشها، وطرفة مرّ بها، يأخذك الى منحنيات وزوايا صغيرة تعجّ  بالأحداث العظيمة، رجل من هذا الزمان رحلة طويلة ممتدة مليئة بالتفاصيل والأحداث والمواقف، تتجمع في هذا السفر، إنها سيرة رجل له الحق في أن تعاش سيرته  بعده.

رحلة مليئة بالتفاصيل والأحداث بين المكبر والعبيدية والرابط فيها (خلف ابو سرحان العبيدي )، سيرة رجل  قيده الله للصلح، رجل يقوم بالإصلاح عبادة لله.

في كل سطر من أسطره وفي كل صفحة من صفحاته ، تجد الكاتب معجبا بهذه الشخصية التي وجد فيها من القدوة والقيادة، والوفاء لبلده ومدينته حكاية لم يقرأ عنها في بطون الكتب، بل عاشها عن قرب عاش في حياة رجل كل ما سمعه من كبار السن أن “خلف بعشرة رجال”.

تنقل الكاتب في فصول كتابه في حياة هذا الرجل من مولده في عرب العبيدية وأماكن تنقله وسكنه، ولم يكتف بذكر المكان فحسب بل ذكر تاريخ المكان وسبب التسمية وما يشتهر به، تحدث عن ولادته العفوية كباقي ولادات أبناء جيله ومن سبقهم ومن لحق بهم في الكهوف وبيوت الشعر.

لفت انتباهي  نباهة الكاتب في سرد بساطة الحياة التي عاشها خلف العبيدي على لسان خلف، حيث روى له كيف كانت حياتهم تخلو من أي مظاهر الطفولة والعيش السليم، ومع ذلك كان يحكي قصصا وطرائف، يجعل القارئ يستمتع في سيرة رجل عاش حسب قوله بالصدفة، أو أن الله كتب له العمر ليكون شاهدا على مرحلة من حياة شعبنا لم يكن لهم الخيار فيها .

وقبل أن يكون الكاتب يروي سيرة حياة خلف في كل مرحلة من  مراحل حياته كقصة يرويها، روى قصة حياة الشعب الفلسطيني في الحياة والمقاومة والتشرد، ليروي قصة شعب بأكمله ما زال صامدا بإرادته وذاكرته الجماعية في وجه الاحتلال الاسرائيلي.

سرد الكاتب العديد من ذاكرة خلف في الطفولة، تحدث عن المدرسة واليوم الدراسي والمعلمين وسراج الكاز وما يبقيه في انوفهم من سخام ، تحدث عن دجاجات أمّه وصيصانها، والأفعى التي أخذت جزءا من أحلامه، وصعوبة توفير مياه نظيفة وطعام نظيف دون أن تكون عرضة للإصابة بالديدان المعوية.

تحدث الكاتب في فصول صفحات عديدة عن والد خلف الرجل الصلب الذي جمع في قلبه الغلظة والرحمة في آن واحد، وأكملها عن أمّه سيدة النساء كما قال .

والقارئ لسيرة خلف كما وردت على لسانه فهو عاشق لأسرته ، عاش معهم الفقر وذكرياته المؤلمة، والحرب وما خلفت من تهجير واحتلال .

روى الكاتب تنقلات خلف من المكبر الى العبيدية، ثم العودة الى المكبر مرة أخرى، وثق الكاتب العديد من ذكريات خلف في علاقاته مع أخوته، وزوجته وأبنائه، وعمله وتطور أعماله.

أعطى الكاتب الجزء الأكبر في كتابه لعلاقة خلف بالأعراف العشائرية، وكيف كان خلف مولع بالعشائرية منذ نعومة أظفاره كما قال، ولم ينس أن يذكر من هم ذوي فضل عليه .

أسهب الكاتب في صفحات كتابه في القضاء العشائري، ويمكن أن يكون كتابه مرجعا من مراجع القانون العشائري بما يحوي بين طياته تفسير للأعراف العشائرية. وأنواع العطوات وأسهب في الحديث عنها .

ولم ينس الكاتب أن يعطي للمعشوقة السمراء ما تستحق، كما قال هي مشروب الغانمين ومفتاح السلام والبدء في الكلام، تحدث عن طقوسها وعاداتها فهي جزء لا يتجزأ من عادات البادية ( القهوة العربية )، وألحق كتابه بقضايا أصدر فيها خلف العبيدي  أحكاما عشائرية.

امتاز الكاتب بالوضوح  في عرض أفكاره، طرح أفكاره بأسلوب واضح وسلس وقريب من المتلقي، يفهم معناه ويدرك المقصود منه، كان كتابه واضح الأفكار والمعاني، وبما أن رغبة الكاتب هي تخليد لتجربة هذا الرجل خلف العبيدي فقد سرد كل ما نطق به لسانه، دونما تنميق، مضيفا لها شيئا من السيرة الذاتية، لزيادة امتاع القارئ وزيادة الإيضاح في الأفكار .

وممّا لفت نظري عناوين فقراته، حيث كان  كل عنوان هو عنوان مشوق لقصة حقيقية حدثت في حياة هذا الرجل، تحوي ما تحويه من الجد والمرح والتشويق.

وأخيرا أشكر الكاتب على هذه السيرة القيمة لهذا الرجل الذي يستحق الذكر ونقل الأثر، فهو رجل يشهد له كل الرجال بالمصداقية،” زلمة الحمولة “كما قال على لسان عشيرته، رجل بألف رجل، صفحة مقروءة بعفويتها، سلس يمتطي الفرح كما يمتطي جواده، رجل كريم معطاء، حياته لأبناء بلدته وللجميع، رجل إصلاح عاش حياة الجماعة والمشاركة، لا تجده يوما إلا في مقدمة الصفوف، أحب العشائرية حتى أصبحت جزءا من مسلكياته وثقافته. نتمنى له العمر المديد .

 

 

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .