الأديب فتحي فوراني. “بين مدينتين”- سيرة ذاتية بقلم: شاكر فريد حسن


فتحي فوراني ركن من أركان الأدب والثقافة والفكر والوعي والتنوير، ومن الأسماء البارزة في المشهد الثقافي الأدبي في هذه الديار. وهو احد أساتذة ومعلمي اللغة العربية الأفذاذ، معرفة وثقافة وتراثًا والمامًا، الذين يشهد ويشار لهم بالبنان.
وهو مثقف وقارئ نهم متعطش دائمًا للمعرفة والاستزادة، وعاشق ثمل للغة العربية وآدابها وصرفها ونحوها وبلاغتها.
وهو إنسان دمث وهادئ ووقور مشحون بالإنسانية، ويحب الخير للناس أجمعين، ويدعو للمحبة والتسامح بين الأديان، وصديق الأدباء والمثقفين ورجال الفكر والقلم والدين، وله حضوره المتواصل في المناسبات الثقافية والاجتماعية والسياسية والمشاركة في الندوات واللقاءات الثقافية، ويحتل في قلوبنا مرتبة رفيعة ومنزلة عالية لما يتمتع به من خلق وأصالة وشهامة ووقار ووفاء للخلان والأصدقاء.
وفتحي فوراني كاتب وأديب وطني تقدمي ملتزم منحاز لجموع الفقراء والكادحين والفلاحين والمثقفين الثوريين، ومناضل لأجل الحرية والسلام والديمقراطية وأخوة الشعوب. كتب الشعر والقصة في بدايات حياته ثم اتجه نحو النقد، وبعد ذلك اهتم بكتابة البحث الأدبي والمقالة الأدبية والسيرة الذاتية، ونشر جل كتاباته في صحيفة “الاتحاد” العريقة.
صدر له كتاب “دفاعًا عن الجذور”وكتاب” مسيحيون ومسلمون تحت خيمة واحدة “. وصدر له، كتاب “بين مدينتين”، وهو محطات على طريق السيرة الذاتية، كنا قرأنا الكثير من فصولها في الملحق الثقافي الأسبوعي لـ “الاتحاد”.
في هذا الكتاب يعود فتحي فوراني إلى الماضي البعيد والأيام الخوالي، ويقف على أحداث ذلك الزمن الجميل، التي كان لها الأثر والوقع في نفسه، ويسلط الضوء على مرحلة الفتوة والشباب والحياة المدرسية في ثانوية الناصرة والمعلمين والمثقفين والشخصيات الاجتماعية والسياسية والوطنية، التي تركت بصماتها على نفسه، وساهمت في تبلور وعيه وشخصيته ومواقفه، ويقدم صورًا ومشاهد تركت في أعماقه وروحه ووجدانه حفرًا عميقة.
يبدأ فتحي فوراني سيرته بمرحلة الطفولة في صفد، المدينة التي ينتمي لها ويستعيدها من خلال أحاديث الناس الكبار، لأنه كان طفلًا صغيرًا يحبو ولا يتذكر شيئًا منها. ويحكي عن تجربة الرحيل والتحول إلى لاجئ في الوطن، ويسرد قصة عائلته التي أصابتها أحداث النكبة بشكل مباشر فهاجرت إلى الناصرة ثم حيفا.
وفي المحطة الثانية يتوقف ليروي ذكرياته في زنبقة وعاصمة الجليل مدينة الناصرة، التي احتضنته وشب وترعرع وكبر وتعلم وعاش فيها حقبة من الزمن في فترة الشباب، وعرف أهلها وبيوتها وحجارتها وأزقتها وأحياءها وشوارعها ومثقفيها ومبدعيها ومناضليها وشخصياتها اللامعة، وجمعته العلاقات بعشاق الكلمة ومتعاطيها ومحبي الأدب والثقافة ليصبح فيما بعد كاتبًا وأديبًا معروفًا بين الأوساط الثقافية والأدبية والاكاديمية والتربوية والشعبية. كذلك يقدم صورة للحياة الأدبية وللحراك الاجتماعي والثقافي الأدبي فيها.
وفي الفصل الثالث من الكتاب يستعيد فتحي فوراني ذكرياته وأيامه في حيفا، التي انتقل للعيش والإقامة فيها في بداية الستينات، واشتغل معلمًا في الكلية العربية الارثوذكسية لأكثر من ثلاثين عامًا، حيث ترك في نفوس طلابه الذين تخرجوا من معطفه، وغرس فيهم حب الأرض والوطن والناس والتمسك بالقيم والمبادئ والفضائل ومكارم الأخلاق، وذوت فيهم جمال اللغة العربية وأصالة التراث الإنساني التقدمي.
وفي حيفا ينشط فوراني في الحياة الثقافية والاجتماعية والسياسية ويشغل منصب نائب رئيس بلدية المدينة لعدة سنوات، ويخرج للتقاعد من سلك التعليم ويتفرغ للإبداع والعطاء الثقافي والمشاركة في الندوات والحلقات الثقافية والفكرية.
وفي سيرته “بين مدينتين” يبهرنا ويدهشنا فتحي فوراني بأسلوبه الأدبي الشاعري العفوي المنمق البديع، وكلماته البليغة التي يشحنها بالإيحاءات التعبيرية، وينتقيها برهافة وأناقة تسحر القلوب وتخلب الأفئدة.
وفي النهاية، فتحي فوراني في سيرته الذاتية “بين مدينتين” يقدم صورًا صادقة لحياة إنسان قانع في الحياة، ومبدع أصيل ونظيف عصفت به نوائب الدهر والنكبة الفلسطينية وظل قابضًا على المبدأ وجمرة الإبداع، حالمًا بالعودة وبناء وطن الحب والتسامح الإنساني.
فسلامًا للصديق فتحي فوراني مع خالص التحية، والمزيد من الكتابة المدهشة والإصدارات المميزة والعطاء الأدبي الإبداعي المتواصل.

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .