جميل السلحوت: بدون مؤاخذة- حزيران الهزائم

الخامس من حزيران-يونيو- 1949 هو يوم ولادتي، حسب ما هو مكتوب في شهادة ميلادي، وفي الخامس من حزيران 1967، وبينما كنت أجتاز امتحان الثّانويّة العامّة-التّوجيهي- كنت شاهدا على مسرحيّة تراجيديّة أسماها الإعلام العربيّ نكسة، وفي ذلك اليوم وقع ما تبقّى من فلسطين “الضّفّة الغربية بجوهرتها القدس وقطاع غزة، وصحراء سيناء المصريّة ومرتفعات الجولان السّوريّة” تحت الاحتلال الإسرائيليّ. بينما أسماها الإسرائيلّون “حرب الأيّام السّتة” تيمّنا بما ورد في الدّيانات بأنّ الله خلق الكون في ستّة أيّام وفي اليوم السّابع استوى على العرش.

وما بين حزيران 1967 وحزيران 2020 وبعد مرور 72 عاما على النكبة و53 على النكسة جرت معارك وانتفاضات وسالت دماء كثيرة، وسمعنا خطابات رنّانة عن الانتصارات العربيّة!

وفور انتهاء حرب حزيران التي لم تكن حربا بمقدار ما كانت جيوشا تنسحب وجيشا يتقدّم ويحتل، صرّح موشيه ديّان وزير الحرب الإسرائيلي في حينه “بأنّه ينتظر قرب الهاتف اتّصالات من القادة العرب “لإنهاء حالة الحرب بين العرب واسرائيل.” وقوبل بلاءات مؤتمر قمّة الخرطوم الثّلاثة” لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف باسرائيل”، وبمقولة زعيم الأمّة جمال عبد الناصر ” أنّ ما أخذ بالقوّة لا يستردّ إلا بالقوّة”. واستمرّ في حرب استنزاف على الجبهة المصريّة.

وفي 28 سبتمبر 1970 مات جمال عبد النّاصر، ولم يعلن عن وفاة العرب بموته.

وبعيدا عن التّفاصيل منذ ذلك التّاريخ إلى يومنا هذا، إلا أنّنا سنتوقّف عند حزيران 2020 لنتساءل إلى أين وصلت قضيّة العرب الأولى؟ وما دور النّظام العربيّ الرّسميّ؟ وإلى أين نحن سائرون؟ رغم التّضخيم الإعلاميّ للدّور العظيم للقادة الملهمين المدافعين عن العروبة والإسلام! والذين بذلوا الغالي والنّفيس دفاعا عن قضيّة العرب الأولى! وملأوا الدّنيا صراخا بسلاحهم الفتّاك الذي يتمثّل في الشّجب والإستنكار في العلن، والله أعلم بالسّرائر! لكنّهم والحقّ يقال أبدعوا في الحرب على شعوبهم وتدمير أوطانهم.

 في كتاب نتنياهو الصّادر عام 1994

 وترجم الى العربية تحت عنوان” مكان تحت “ Aplase between nations”

الشمس” طرح فيه نتنياهو رأيه في السلام الذي تريده اسرائيل، وهي ما وردت بحذافيرها في وثيقة استسلام العرب التي سمّاها الرّئيس الأمريكي ترامب”صفقة القرن” وسبق الإعلان عنها تطبيق بعض بنودها مثل الإعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، والإعتراف بالسّيادة الإسرائيليّة على الجولان السّوريّة المحتلّة، ومحاولة تصفية وكالة غوث اللاجئين”الأونروا”، لشطب حقّ العودة وحقوق اللاجئين، ومحاصرة السّلطة الفلسطينيّة ماليا وسياسيّا وغيرها. كما تضمّن كتاب نتنياهو خطّة ما بعد صفقة القرن، وهي إقامة دولة للفلسطينيين في الأردن، الذي هو جزء من “أرض اسرائيل، التي تطلّ على الصّحراء العربيّة حسب اتفاقية سان ريمو”، ولن يحصل الفلسطينيّون المقيمون على “ارض اسرائيل إلا على إدارة مدنيّة على السّكّان وليس على الأرض، لأنّه حسب مقولة جابوتنسكي”لا يضير الدّيموقراطيّات وجود أقليّات قوميّة فيها.” وهذا كلّه لصالح العرب حسب نتنياهو لأنّ اسرائيل ستحلّ مشكلة الموارد المائيّة وستطوّر الزّراعة في سوريا وغيرها من الدّول العربيّة، وأنّه إذا اجتمعت الانتلجينسيا اليهوديّة مع الأيدي العاملة العربيّة الرّخيصة سيزدهر الشّرق الأوسط، وهذا يعني سيطرة اسرائيل على المنطقة كاملة ولن يكون العرب فيها سوى حطّابين وسقّائين -حسب التّعبير التّوراتي-.

 وممّا جاء في في كتابه آنف الذّكر كتب نتنياهو، أن العرب يرفضون أيّ شيء يعرض عليهم، لكنّهم لا يلبثون أن يتكيّفوا معه، وأعطى مثالا على ذلك أنّ العرب كانوا يطالبون بعد العام 1948 بتحرير فلسطين وتدمير اسرائيل، وبعد حرب حزيران 1967 تكيفوا مع ذلك وصاروا يطالبون بالأراضي التي احتلت في حرب حزيران، واذا ما قمنا باحتلال مرتفعات السّلط في الأردن، سيتكيفون مع ما احتلّ سابقا، وسيطالبون بالانسحاب من مرتفعات السلط. وفي الواقع أنّ نتنياهو قد صدق في نظرية “التّكيّف”، لأنّه يعلم أنّ غالبيّة حكّام بلدان العربان لا علاقة لهم بالعروبة إلا من خلال اللغة العربيّة التي لا يجيدونها أيضا. فهم مجرّد موظفين صغار في الخارجيّة الأمريكيّة، يتلقّون منها التّعليمات وينفّذونها دون نقاش.

أمّا شعوبنا العربيّة فكان الله في عونها، فقد فرضت عليها سياسة تجهيل مدروسة ومبرمجة بعناية، كي تبقى متأقلمة مع ضياع مقدّراتها وأوطانها وهي تهتف بحياة “طويل العمر” الذي يتاجر بدمائهم. ولكم أن تتصوّروا أنّ العربان يدخلون العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين بأكثر من مئة مليون أمّي لا يجيد القراءة والكتابة، وهذا العدد يزداد يوميّا بسبب الاقتتال على “تحرير” بعض الأقطار العربيّة من عوربتها ومن شعوبها! ويقارب مثل هذا العدد من أشباه الأمّيين، ومثله لم ينهوا مرحلة التعليم الإلزامي، أمّا التّعليم وفي مختلف مراحله بما في ذلك الجامعات فهو بعيد عن مواكبة العصر، ومكرّس لتكريس ما نحن عليه من واقع مرير.

وإذا كان موشيه ديّان قد انتظر بجانب الهاتف بعد حرب حزيران 1967، ليتلقّى اتّصالات من القادة العرب، فقد تحقّق حلمه من خلال نتنياهو الذي يأتيه قادة عرب من كنوز أمريكا واسرائيل الإستراتيجيّة ساجدين عند قدميه بناء على أوامر سيّدهم في البيت الأبيض، ليؤدّوا فروض الولاء حتّى يبقوا على كراسي الحكم التي نخرها سوس الخيانة. فقد تنازلوا عمّا سمّوه مبادرة السّلام العربيّة التي انطلقت عام 2002، ورضخوا لتحالفات أمنيّة وعسكريّة وتطبيع العلاقات على مختلف الأصعدة  مع اسرائيل التي وصفها أحد الجنرالات الأمريكيّين بأنّها “حاملة طائرات أمريكيّة غير قابلة للغرق”، إضافة لحروب الوكالة التي تقتل وتدمّر من أجل تطبيق المشروع الأمريكيّ “الشّرق الأوسط الجديد” لإعادة تقسيم المنطقة لدويلات طائفيّة متناحرة، ورغم كلّ التّنازلات المجّانيّة العربيّة، والتي تخطّت المطلوب منها بكثير إمعانا في الولاء لأمريكا و”التّكيّف” الكامل في تنفيذ ما يريده نتنياهو، إلا أنّ نتنياهو لم يتنازل عن شيء ممّا جاء في كتابه آنف الذّكر، لأنّه وفيّ لفكره الصّهيونيّ ولحلمه بأنّ حدود اسرائيل” من الفرات إلى النّيل”. ويخطئ من يعتقد أنّ غالبيّة الأنظمة التي تتكلّم العربيّة غير موافقة على صفقة نتنياهو التي تبنّاها ترامب. وما طائرة الخطوط الجّوّية الإماراتية التي حطّت في مطار اللد حاملة “المساكين اليهود” الذين انقطعت بهم السّبل في المغرب بسبب جائحة كورونا، وتحمل مساعدات طبّية للسّلطة الفلسطيّنيّة بتنسيق مع اسرائيل ودون علم السّلطة بعمليّة بريئة وعفويّة، فالتّنسيق مع اسرائيل هو تطبيق لصفقة نتنياهو مع ترامب لتصفية القضيّة الفلسطينيّة.

وسيسجّل التّاريخ أنّ عربان المرحلة هم الأمّة الوحيدة التي تدعم أعداءها، وتدفع تكاليف االقواعد العسكريّة الأجنبيّة على أراضيها، وتدفع لأعدائها تكاليف احتلالهم لأراضيها، وتكاليف قتل وتهجير شعوبها.

وما يجري على السّاحة فإنّ أوّل ضحاياه هم الفسطينيون والأردنيون بشكل خاص، والعرب كشعوب وكوطن كان عربيّا بشكل عامّ. 

ولن تكتفي اسرائيل بضمّ الضّفّة الغربيّة إليها، ولن تكترث بالرّأي العامّ العالميّ كونها دولة عنصريّة توسّعيّة مدعومة من القوّة الأعظم عالميّا، بل سيتبع ذلك عمليّات تطهير عرقي وطرد جماعيّ، ل”تحرير أرض اسرائيل من الغرباء”، ولن تسأل عن أيّة ردود فعل عند بناء الهيكل المزعوم في المسجد الأقصى أو على أنفاضه، فالقويّ يفرض ما يريد، والعرب ارتضوا الذل والمسكنة. وليس بعيدا ذلك اليوم الذي سيدفع فيه العربان تعويضات لإسرائيل عن خسائرها في حروبها منذ ما قبل تأسيسها حتّى يومنا هذا، كما سيدفعون صاغرين تعويضات لليهود العرب الذين هاجروا من بلدانهم إلى اسرائيل، فالعبيد لم يعودوا مالكين حتى لسلاح الشّجب والإستنكار.

وعلينا الإعتراف بأنّ نتنياهو وتابعه ترامب قد أكدّا من جديد أنّ الصّراع الشّرق أوسطي صراع وجود لا صراع حدود. وأنّهم أعادوا القضيّة إلى بدايات ما قبل البداية، لكنّهم لن يعلموا على من ستدور الدّوائر، “فلكل فعل ردّة فعل مساويه له في المقدار ومعاكسة في الاتّجاه.” والحديث يطول.

1 -حزيران-يونيو- 2020

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .