تواصل سلطات الاحتلال الإسرائيلي استهداف الأسرى من جديد، فبعد خصم مستحقاتهم من أموال المقاصة التي تحولها شهريا إلى وزارة المالية الفلسطينية ابتداء من بداية العام الماضي 2019 تعود من جديد لتصعد انتهاكاتها ضد الأسرى، وتصدر أمرا عسكريا يطلب من البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية إغلاق حساباتهم البنكية.
ووصلت وقاحة سلطات الاحتلال إلى حد يهدد فيه المدعي العسكري الإسرائيلي السابق في الضفة المحتلة، المحامي موريس هيرش، البنوك الفلسطينية، بأنها ستواجه دعاوى قضائية إذا ما استمرت في صرف مخصصات الأسرى الفلسطينيين التي تحوّلها السلطة. وبعث هيرش برسالة إلى البنوك يذكر فيها أنه في التاسع من شباط/فبراير الماضي “وقّع قائد قوات الجيش في الضفة أمراً بشأن التعليمات الأمنية (التعديل الرقم 67 والرقم 1827 لعام 2020)”، ووفق التعديل الجديد “المخصصات الشهرية التي تدفعها السلطة للأسرى تشكل عملاً محظوراً فيما يتعلق بأموال الإرهاب.”
المحامي موريس هريش، الذي يرأس معهد “عين على الإعلام الفلسطيني”، هدّد البنوك بأنه “في حال استمرارك (أي البنك) في الاحتفاظ بحسابات الإرهابيين المسجونين، فستجعل نفسك شخصيا وموظفي البنك الآخرين شركاء في الجريمة. إن الإدانة في جريمة من هذا النوع تنطوي على عقوبة تصل إلى سبع سنوات سجن وغرامة باهظة”. ليس هذا فحسب، بل قال المدعي السابق إنه إن وجدت حسابات لأسرى في البنك، سواء كانت باسمهم أم باسم أقربائهم أم مستفيد مفوّض منهم، “يجب على البنك تجميدها وتحويلها إلى قائد الجيش في منطقة الضفة.”
الأمر العسكري الذي يجعل من البنك الفلسطيني “هيئة تقدم مساعدة حقيقية إلى الإرهاب بكل ما ينطوي عليه ذلك، بما في ذلك دعاوى مدنية لتعويض ضحايا العمليات”، أي إنه في حال لم يستجب البنك، فإن جرحى إسرائيليين أصيبوا في عمليات مقاومة، أو عائلات قتلى، يحق لهم مقاضاته للحصول على تعويض.
يأتي هذا الانتهاك الجديد لحقوق الأسرى استكمالا لانتهاك آخر أقدمت عليه سلطات الاحتلال، مؤخرا يقضي بتجميد حسابات أقارب الأسرى من فلسطينيي الـ 48، والتي ترى سلطات الاحتلال أنهم الموكل إليهم تسلم مخصصات أسرى في حساباتهم. ولذلك جمّدت حساباتهم، وقد رفع أقارب أسرى الـ 48 الذين جمّدت حساباتهم دعاوى يحاولون فيها إثبات أن الأموال التي في حساباتهم هي أموالهم الخاصة، ولا دليل على أنها مخصصات أقربائهم، يبدو أن سلطات الاحتلال أدركت أن هذه الطريقة لن تنفع للاستيلاء على مخصصات أسرى الـ 48 أو تجميدها، فبعثت برسالة تهديد إلى البنوك الفلسطينية تشمل كل الأسرى، وضمنهم أبناء فلسطين المحتلة الذين تظن أن لديهم حسابات هناك.
في الأسبوع الماضي قامت عدد من البنوك العاملة في الأراضي الفلسطينية، بإغلاق حسابات متعلقة بالأسرى والأسرى المحررين، خشية تنفيذ تهديد سلطات الاحتلال لها بمعاقبتها وفقا للأمر العسكري، وفي اعقاب ذلك بدأت موجة عارمة من الغضب لدى أهالي الأسرى والمحررين، وردود عنيفة من المؤسسات المعنية بشؤون الأسرى، حيث طالبت مؤسسات الأسرى، سلطة النقد الفلسطينية والحكومة بإصدار تعليمات للبنوك بعدم إغلاق حسابات أسر الأسرى تحت أي ذريعة كانت، مشيرةً، إلى أن هذه البنوك تعمل وفقا لقانون المصارف الفلسطيني، وليس استنادا لقرارات الحاكم العسكري الإسرائيلي، مؤكدة أنه يجب أن تعلم البنوك أنها شريكة في المغنم والمغرم وليس المغنم فقط.
ودعت المؤسسات في بيان لها اللجنة التنفيذية لـمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية وكافة الفصائل، لاتخاذ قرارات تستند إلى حقيقة، أن الاحتلال قوض من الناحية العملية كافة الاتفاقيات، ويعيد احتلال الضفة الغربية احتلالا مباشرا وهذا يستدعي الاستعداد والعمل الجدي لمواجهة إجراءات الاحتلال بمضامين عملية وإجرائية. كما دعت الأسرى في سجون الاحتلال، والأسرى المحررين وعائلاتهم إلى الانخراط في العمل الشعبي المقاوم لهذه الإجراءات.”
ودعت الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال الإسرائيلي الجماهير الفلسطينية إلى الوقوف ضد البنوك وطالبت “الحركة”، في بيان صحفي، بمقاطعة هذه البنوك رسميا وشعبيا، احتجاجا على خطوة إغلاق حسابات الأسرى. كما دعت المؤسسات الرسمية، والحقوقية، والجمعيات المختصة في شؤون الأسرى إلى رفع الغطاء عن هذه البنوك، ومحاسبتها، لأنها “تتجاوز الخطوط الحمراء من نضال شعبنا وتضحياته.”
من جانبها رفضت الحكومة الفلسطينية التهديدات الإسرائيلية للبنوك، بخصوص مخصصات الأسرى والشهداء وقال رئيس الوزراء محمد اشتيه “لن نخضع لها، وسنجد حلولا تحفظ حقوق الأسرى والشهداء وتحمي البنوك من بطش الاحتلال وأي إجراءات قضائية، وأضاف اشتية “انه تم الاتفاق مع البنوك على تجميد أي إجراء بخصوص حسابات الأسرى لديها عقب التهديد الإسرائيلي باتخاذ إجراءات بحقها، وذلك بعد اتصالات اجراها مع إدارات البنوك وسلطة النقد، وذكر انه تم تشكيل لجنة لدراسة الأزمة ستجتمع وتقدم توصياتها خلال أيام وهي مكونة من: سلطة النقد وهيئة شؤون الأسرى والمحررين وجمعية البنوك ووزارة المالية.” وقال: على ضوء هذه التوصيات سيكون هناك موقف موحد من جميع الاطراف بخصوص التهديد الإسرائيلي ضد البنوك التي تقدم خدماتها لذوي الأسرى والشهداء. وعليه فان عائلات الأسرى تستطيع تفعيل حساباتها البنكية ابتداء من يوم الاحد. وسوف يناقش مجلس الوزراء الأمر هذا الأسبوع.
من المؤكد أن انتهاكات سلطات الاحتلال لحقوق الأسرى لا تزال متواصلة وتشهد تصعيدا جديدا، بعد هذه الانتهاكات الجديدة التي تشكل خرقا فاضحا للقانون الدولي الإنساني، كما أن اقدام البنوك على اغلاق حسابات الأسرى تحت تهديد وضغط سلطات الاحتلال، يضيف بعدا جديدا من الخطورة التي تطال حقوق الأسرى ونضالهم الوطني المشروع ضد الاحتلال.
فهل نحن مقبلون بعد هذه التطورات الخطيرة، من الانتهاكات والتداعيات التي تمس حقوق الأسرى وشرعية نضالهم الوطني، إلى موجة واسعة من التوتر قد تشهدها الأراضي الفلسطينية دفاعا عن الأسرى وحقوقهم؟ وهل تساهم قضية الأسرى، كما كانت في السنوات السابقة ولا تزال في إشعال الشرارة، لتوحيد صفوف الشعب واستنهاض قواه الوطنية في مواجهة جديدة مع الاحتلال وانتهاكاته وسياسته المعادية، وخاصة مخططات التهويد والاستيطان والضم التي أعلنت عتها مؤخرا والتي تستهدف أراضي الأغوار الشرقية؟ هذا ما ستكشف عنه الأيام والأسابيع القادمة؟
وأيا كانت ردة الفعل الجماهيرية القادمة ومدى اتساعها وحجم انتشارها وشمولها لقطاعات أوسع من الشعب الفلسطيني وقواه الوطنية، فان قضية الأسرى وحقوقهم ستبقى المحرك الرئيسي لأي نهوض وطني محتمل ضد سياسات ومخططات الاحتلال.
علي أبوهلال محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي