زيارة مقام النبي شعيب (عليه السلام) في حطين… د. روزلاند كريم دعيم

ما زلت أذكر تلك الزيارة حين كانت والدتي تعمل مدرسة في دالية الكرمل ورافقتها في رحلة مدرسية إلى مقام سيدنا النبي شعيب (ع) في حطين. ما زلت أذكر تفاصيل المكان من هذه الزيارة، رغم زيارتي له مرات ومرات لاحقًا. وما زلت أذكر الأهزوجة التي غنتها الطالبات في الطريق:

“يا سيدي يا نبي شعيب

يا ساكن قلعة حطين

إحنا جايين نزورك

إن شاء الله نروح مبسوطين”

النبي شعيب (عليه السلام)

هو شعيب بن ضاغثون بن عيقا بن يافت بن مَدْيَنَ بن إبراهيم.

أمه برثيا ابنة لوط عليه السلام.

قيل: أُرسِل مرَّةَ، وقيلَ: بل مرَّتين: إلى أهلِ مَدْينَ، وإلى إصحاب الأيكة. وأهلُ مدين عربٌ، كانوا يقيمون في أرضِ معانَ من أطرافِ الشَّام. أما الأيكة، ففيها اختلاف، وقد تكون في منطقة حطين.

وقد ورد اسم شعيب في التوراة تحت عدة أسماء: رعوئيل ويترو ويترون وحوباب وحبير القيني وبيتوئيل. وذكر (ع) في التوراة في سفر الخروج: 2، 16 – 19؛ 3، 2 – 6. وورد في القرآن الكريم في: في سورة الأعراف، 85 – 92، وفي سورة هود، 84 – 95، وفي سورة الشعراء، 177 – 189، وفي سورة العنكبوت 36 – 37.

ويسمى في السريانية “ثابور”.

أما تسميته “شعيبًا” فقد ورد في القرآن الكريم، وشرحه بعض المفسرين: “وإنما سُمي شعيبًا لأن والده سلام الله عليه لما رزقه كان يدعو لربه: إلهي وسيدي إنك قد اكثرت عليّ الشعوب والقبائل بأرض مدين، فبارك لي في شعبي هذا “يعني ولده”، فرأى في منامه “أن الله عز وجل بارك لك في شعبك هذا”، ومن هنا جاء الاسم تصغيرًا لكلمة “شعب” العربية. ويجوز أن شعيبا ترجمة يترو أو يترون المذكور في التوراة الذي يعني تصغير شعبة.

ويلقّبه المفسّرون “خطيب الأنبياء”، وذلك لحسن مراجعة قومه وبراعته في إقامة الحجة عليهم ودحض حججهم، ولفصاحته وعلو عبارته وبلاغته في دعوة قومه إلى الإيمان برسالته.

 

زيارة مقام سيدنا النبي شعيب (ع) في حطين

يحتفل الموحدون الدروز أو بنو معروف بزيارة مقام النبي شعيب الواقع في حطين قرب طبرية في الخامس والعشرين من نيسان من كل عام، ويكون الرابع والعشرين من نيسان وقفة العيد أو ليلة العيد.

ومقام النبي شعيب (ع) هو أقدم موقع ديني للموحدين الدروز في البلاد. من المتعارف عليه أن المقام بني في عهد صلاح الدين الأيوبي (1138 – 1193 م)، إلا أن المصادر التاريخية تثبت أنه بني قبل ذلك، إذ زاره الرحالة الفارسي ناصر خسرو (1046 م)، أي في عصر الدعوة، وهو قائم منذ ذلك الوقت. 

وكان على مر السنين والقرون هدفًا دينيًا مرموقًا ومقصدًا للحجاج والزوار والمؤمنين، توافد عليه الموحدون الدروز وغيرهم. وتعززت أهميته بعد أن تم ترميمه عام 1882 م من قبل الرئاسة الروحية المعروفية آنذاك.

ونظرًا لقرب مقام النبي شعيب (ع) من موقع معركة حطين (1187 م) التي حدثت بين المسلمين بقيادة صلاح الدين الأيوبي وجيوش الصّليبيين، فقد ورد ذكر المقام في كتب عدد من المؤرخين القدامى الذين دونوا تاريخ هذه الحرب، ومن بينهم بهاء الدين يوسف بن شداد (1154 – 1234 م) صاحب كتاب “النوادر السّلطانية والمحاسن اليوسفية”، وهو كتاب في سيرة صلاح الدين الأيوبي، وعبد الرّحيم بن إسماعيل أبا شامة (1203 – 1268 م) صاحب كتاب “الروضتين في أخبار الدولتين النورية والصّلاحية”، وأحمد ابن خلكان (1211 – 1282 م) صاحب كتاب “وفيات الأعيان في سيرة أبناء أهل الزمان”.

أما عن بناء صلاح الدين للمقام فتقول الرواية الشعبية أنه حين خيم جيش المسلمين في سهل حطين وأخذ يستعد لمعركة حطين مع الصّليبيين. اعتلى صلاح الدّين الأيوبي جواده وراح يتفقد أرض المعركة. بدأ الجواد يتسلق الجبل، ثمّ وقف فجأة أمام رُجمة من الحجارة، ورفض أن يتقدم. وشعر صلاح الدّين برهبة، عندما سمع هاتفًا يقول: “أنا نبي الله شعيب وهذا قبري”. فترجّل صلاح الدّين الأيوبي خاشعًا ونذر أن يبني قبرًا ومقامًا للنبي شعيب (ع) بعد النصر، وانتصر صلاح الدّين الأيوبي ووفى بنذره. تشير هذه الرواية الشعبية إلى شخصية القائد صلاح الدين الأيوبي الدينية والى كرامات النبي (ع). وقد يستدل منها أن صلاح الدين الأيوبي قد رمّم البناء القديم للمقام وأوقف له الوقوفات اعترافًا بكرامة النبي شعيب، وإشادة بانتصاره في هذه المعركة (عزام وسلمان 1979). 

وورد ذكر مقام النبي شعيب (ع) في كتاب “سياحَت نامة” للرحالة التركي الشهير إقليا تشيلبي الذي زار فلسطين في القرن السّابع عشر مرتين، الأولى عام 1649 م، والثانية في الأعوام 1670 و1671 م.

اهتمت الرئاسة الروحية المعروفية الدرزية بترميم وتطوير المقام، فقد أضيف للبناية الأصلية القائمة غرف وقاعات وأجنحة وساحات في فترات متعددة منذ فترة الرئيس الروحي للطائفة المعروفية الدرزية الشيخ مهنا طريف سنة 1880 م وحتى الآن.

وتوجد في شمال بلادنا عدة أماكن أخرى تحمل اسم النبي شعيب (ع)، وهي: “رجم النبي شعيب (ع)” بالقرب من عين فراضية في الجليل العلى جنوبًا، “سدرة النبي شعيب (ع)” في المغار في الجليل الأسفل، “قرنة النبي شعيب (ع)” في الرامة في الجليل الأعلى، وقبة النبي شعيب (ع)” في شفاعمرو – ولكل من هذه المقامات رواية ومكانة.

 

زيارة المقامات لدى أبناء الطائفة المعروفية الدرزية[1]

يزور الموحدون الدروز أربعة مقامات في مواعيد ثابتة: مقام النبي شعيب (ع)، في الخامس والعشرين من نيسان؛ مقام النبي سبلان (ع)، في العاشر من أيلول؛ مقام النبي الخضر (ع)، في الخامس والعشرين من كانون الثاني؛ مقام النبي اليعفوري (ع)، في الخامس والعشرين من آب. بالإضافة لعدة زيارات غير ثابتة: بهاء الدين (ع) في بيت جن، أبو عبد الله (ع) في عسفيا، أبو إبراهيم (ع) في دالية الكرمل، النبي يهودا (ع) في الحولة، المقام الشّرقي والمقام الغربي للنبي الخضر (ع) في بقعاثا.

 

أنواع الزيارات

يزور هذه المقامات الموحدون الدّروز وغير الدّروز، والزيارة نوعان:

الزّيارة العامّة: عينت أوقات وتواريخ محددة لهذه الزيارات. يشارك فيها رجال الدّين من جميع القرى الدرزيّة في البلاد، هضبة الجولان وجبل الشيخ، وأحيانا مشايخ من لبنان حين تسنح لهم الفرصة. وتقام فيها الصّلوات والشّعائر الدّينيّة، كما يأتي للمعايدة بعض الزّعماء وأصحاب الشّخصيّات القياديّة الدّرزيّة، مثل: أعضاء برلمان، رؤساء سلطات محليّة، قضاة ووجهاء. لا يشارك في هذه الزيارة – على الأغلب – إلا المتديّنون من أبناء الطائفة المعروفية الدرزية لأداء الصلوات. ولا تشارك النساء، منعًا للاختلاط بين الرّجال والنّساء.

الزّيارة الخاصّة: تفتح المقامات أبوابها يوميا من السّاعة السّابعة صباحا وحتّى الحادية عشرة ليلاً، وبإمكان كلّ زائر، مهما كانت ديانته أو عقيدته، أن يزور المقام في هذه المواعيد بهدف التّبرّك أو الدّعاء أو الطلب، أو الشكر، أو المكوث وحتى الاستجام.

 

أهداف الزيارة

صلوات جماعيّة: يجتمع غالبية رجال الدّين (إخوان الدّين) من أبناء الطّائفة المعروفية الدّرزيّة في المقام المقدس، وتقام صلوات جماعيّة وشعائر دينيّة في المناسبات.

إيفاء النّذور: يقوم الكثير من النّاس بإيفاء النّذور في المقام، بعد تخلصهم من أزمة معينة، أو من وضع صحيّ صعب، أو لأيّ سبب آخر يقسمون نذرًا له.

اجتماعات عامّة وشعبيّة: يعتبر المقام مكانًا عامًا لأبناء الطائفة المعروفية الدّرزيّة، وتحصل في رحابه اجتماعات شعبية مختلفة، مثل؛ عقد رايات صلح، مراسيم تأبينيّة لمشايخ وزعماء من دروز لبنان أو دروز سوريا، استقبال ضيوف الطّائفة المعروفية الدّرزيّة، اجتماعات مشورة واتّخاذ قرارات تخصّ الطّائفة المعروفيةالدّرزيّة.

مقر للأمان والحماية: يقصد المقام الكثير من الزّائرين في حالات الضّيق، من أجل الدّعوة إلى الله تعالى، لحمايتهم وتوفيقهم وإرشادهم ومنحهم الأمان والسّلام والطّمأنينة.

التبرّك بقدسيّة المقام: يقصُدُ الزّائر المقام المقدس للتبرّك، وكثيرًا ما يُشاهد من الزّائرين الذين يأخذون ستارًا من قَيّم المقام، كذلك يضعون الزّيت أو المياه بجانب الضّريح. كذلك كثيرًا ما يفد إلى المقام عائلات وأصدقاء من أجل التنزه والاستجمام وقضاء بعض الوقت في رحابه.

 

تقاليد الزّيارة العامة

قبل موعد الزّيارة العامة بأسبوع تقريبًا، يتم، في الخلوات، تذكير رجال الدّين بالزّيارة ودعوتهم للمشاركة فيها من قبل سايس الخلوة والرّئاسة الرّوحيّة.

يتوافد رجال الدّين الدّروز من جميع القرى والمناطق الدّرزية في البلاد وجبل الشيخ وهضبة الجولان، إلى المقام المقدس منذ الصّباح.

يبدأ الزوار بدخول حجرة الضّريح بانتظام، لتقبيل الضّريح وللتبرّك به، كما ويدعون ربهم ويطلبون المغفرة والشّفاعة.

يضع غالبية الزّائرين النقود في صندوق التّبرعات والحسنات، كصدقة أو إيفاء نذر للمقام المقدّس.

عند السّاعة العاشرة صباحًا، يجتمع غالبية رجال الدّين، وتتلى المواعظ والأناشيد الدّينيّة.

بعد أن تتم الشعائر يدخل القاعة المهنؤون من ممثلي الحكومة وممثلي الطّوائف المختلفة ورجال دين مسلمين ومسيحيّين، بالإضافة إلى أعضاء برلمان دروز ورؤساء سلطات محلية درزية وقضاة وأصحاب مناصب لمعايدة أبناء الطّائفة المعروفية الدّرزيّة بهذه الزّيارة، حيث يُلقي المعايدون عبارات المعايدة والكلمات القصيرة، ويشكرهم الرّئيس الرّوحيّ في كلمته على معايدتهم ولفتتهم الكريمة تجاه أبناء الطّائفة الدّرزيّة. من ثمّ تكون قد جُهّزت “النقليّة” (النّقل أو الضّيافة)، خارج القاعة، ويدعو الرّئيس الرّوحيّ رجال الدّين لتناول النقل. بعد انتهاء الشعائر يغادر الزائرون المقام إلى قراهم.

 

آداب الزيارة الخاصة

يصل الزّائر إلى حجرة المزار، أي غرفة الضّريح، مرتديًا لباسًا محتشمًا، يخلع حذاءه خارجًا ويدخل صامتًا خاشعًا، يلمس السّتائر تبرُّكًا، ويقرأ الفاتحة وما تيسر من الأدعية.

لا يطيل المكوث بداخل الحجرة، ولا يستلقي فيها ولا ينام، ثمّ يضع النذر وما تجود به نفسه في صندوق الحسنات، ويخرج مُفسحًا المجال لغيره من الزائرين.

يحافظ الزّائر على التّقاليد والآداب المتعارف عليها؛ عدم الصّياح أو الضوضاء، أو الكلام الخارج عن الحشمة والمألوف.

لا يقدم الزّائر على فعل محرَّم، حرصًا على حرمة المقام وقُدسية المكان.

يمنع شرب المسكرات والخمور والتّدخين، داخل البناء وفي جواره.

يمنع الرّقص والغناء وكلّ أعمال اللّهو والمرح منعا باتا.

يحظر حفر الأسماء والتواريخ، والكتابة على الجدران والأبواب والأشجار.        

الحفاظ على نظافة المكان.

رعاية الزائرين لأطفالهم منعًا لأيّ ضرر أو تدنيس.

يمنع المبيت في المقام المقدّس باستثناء بعض الحالات الخاصّة كإيفاء النّذر.

 

الاحتفالات الشعبية والدينية

تقام مسيرة احتفالية ضخمة بمرافقة سيارات بطيئة تمر عبر جميع القرى الدرزية من الجولان والجليل الأعلى، أو من منطقة الكرمل، وينضم الزوار إلى المسيرة حين تمر بجانب بلدتهم. تشارك المسيرة هتافات دينية تتعلق ببني معروف، وتكون الأجواء جميلة واحتفالية.

يشارك في المسيرة الشباب والكشاف والخيول، وتجتمع في قرية المغار في الجليل الأسفل، لكونها القرية الدرزية الأقرب مسافة إلى المقام. تستغرق المسيرة من المغار إلى المقام بين السير على الأقدام أو السفر البطيء ما لا يقل عن أربع ساعات.

في المقام تُعقد أمسية احتفالية بأهازيج دينية. 

 

زيارة مقبولة وكل عام وأنتم بخير

 

حيفا

[1] وردت مادة زيارة المقامات لدى أبناء الطائفة المعروفية الدرزية في مرشد “أعيادنا” 2016، وهي بمصادقة الشيخ وائل معدي.

المصدر (الوسط اليوم)

اضف رد

لن يتم نشر البريد الإلكتروني .