يسجل التاريخ أنّ هناك فيروسا قاتلا يغزو الكرة الأرضية كلّ مئة عام، تماما مثلما أنّ بعض المناطق ومنها الشرق الأوسط تتعرض لزلزال مدمّر كل مئة عام أيضا.
ففي العام 1918 تعرض العالم لفيروس قاتل وحصد أرواح حوالي 50 مليون شخص. وفي العام 1927 تعرض الشّرق الأوسط ومن ضمنه وطننا فلسطين لزلزال مدمّر، وانتشرت وباء الكوليرا وحصد أرواح الملايين خصوصا في مصر وإيران وبلاد الشام. واعتبر الجهلاء البعيدون عن العلم ذلك سخطا من اللهّ! وفي بلدتي عرب السواحرة-القدس روى الآباء ممّن عاصروا تلك المرحلة، أنّ السّخط الرّبّانيّ قد أصاب إحدى الحمائل الذين يسكنون متجاورين واحتفلوا بختان أبناء الحامولة، وتراجموا بالرزّ الذي لم يكونوا يعتبرونه “نِعمة” فمات أطفالهم، وكانت النّساء يغنّين:
هاي يا الرّز ما هو عيش ولا طعام لجيش.
وبعد وفاة الأطفال بالكوليرا غير المعروفة وغير المعلومة للأهالي اعترفوا بأنّ الرّزّ نعمة من خيرات الله عليهم، فصاروا يحيطونه ببعض القداسة مثل خبز القمح.
وفي أيّامنا هذه وبانتشار فيروس كورونا القاتل منذ أربعة أشهر، نلاحظ أنّ الصّين التي ابتدأ بها الفيروس كيف استطاعت بوعي قيادتها، وبتقدّمها العلميّ من السّيطرة عليه، ومحاصرته لتخرج منه بأقلّ الخسائر، في حين لم يحصل ذلك في بعض الدّول الأوروبيّة كإيطاليا، إسبانيا، ألمانيا وغيرها بسبب عدم انتباه قياداتها لخطورة الوضع منذ البداية، وهذا ما حصل مع أمريكا بسبب عناد رئيسها ترامب وإدارته الذي يتعامل مع شعبه ومع الشّعوب الأخرى كشركة تجارية تدرّ عليهم مداخيل ماليّة.
ويسجّل هنا الوعي الذي تحلّت به قيادة السّلطة الفلسطيّنية مع هذا الوباء منذ بداياته، واتّخذت اجراءات واعية وحكيمة لمحاصرته والحدّ من انتشاره، رغم الإمكانيّات المحدودة والمشاكل الكبيرة والمتعدّدة التي تواجهها السلطة بسبب الاحتلال وموبقاته التي لا تعدّ ولا تحصى.
ويبقى الرّهان على وعي الشّعوب في قهر هذا الوباء والخروج منه بأقلّ الخسائر، ويكمن ذلك بالتّقيّد بتعليمات الجهات المختصّة والمسؤولة، فهل شعبنا على قدر كاف من الوعي يؤهّلنا للخروج من هذا الوباء؟ وهل نعي وندرك خطورة هذا الوباء ونبتعد عن أسباب انتقاله من شخص لآخر؟ وهل ندرك جميعنا أنّ هذا الفيروس القاتل قد ينتقل إلى أشخاص من أقرب النّاس إليهم؟ لقد أحسنت السّلطة صنعا بإغلاق المساجد والكنائس وقاعات وصالات الأفراح والمطاعم والأسواق، ومنعت وسائط النّقل العام من العمل، وأغلقت المناطق وطالبت النّاس بالتزام بيوتهم. لكن هل تقيّد النّاس بهذه التعليمات التزاما حديديّا؟ وفي الواقع فإنّ هذه الاستجابة لم تكن شموليّة، وذلك لجهل البعض بخطورة الوضع، وعدم إدراكهم بأنّ عدم التزامهم هو الخطر الأوّل الذي يهدّد حياتهم وحياة أسرهم قبل غيرهم. ومن المحزن أن تلجأ قوى الأمن في بلادنا أو في أيّ بلاد أخرى لاستعمال القوّة كي تحمي بعض الأشخاص من إلحاق الأذى القاتل بأنفسهم وبغيرهم.
من هنا فإنّ التزام البيوت وعدم التّزاور وعدم فتح بيوت العزاء، والإبتعاد عن المصافحة والتّقبيل فرض عين على كلّ إنسان حماية لنفسه ولغيره، وهذا هو السّلاح الفعّال للقضاء على هذا الوباء القاتل.