“علِمَ / علِمَ بـ يَعلَم، عِلْمًا، فهو عالمٌ والجمع: علماء، والمفعول معلوم
عَلِم الشَّخصُ الخبرَ / علِمَ الشَّخصُ بالخبر: حصلتْ له حقيقة العِلْم، عرفه وأدركه، درى به وشعر “. هذا هو معنى العلم حسب قواميس اللغة العربية.
يُجمع فقهاء الإقتصاد والسّياسة في العالم جميعه على أنّ سبب الفقر والهزائم التي تعيشها بعض الشّعوب، ومن ضمنها شعوبنا العربيّة هو الجهل. لكنّ ثقافتنا العربيّة المتوارثة والسّائدة لها رأي آخر، وهو أنّ سبب المصائب التي نعيشها هو بعدنا عن الدّين! دون الإلتفات إلى أسباب نهوض وتقدّم دول وشعوب لا دين لها، أو أنّها تؤمن بمعتقدات وثنيّة -حسب مفهومنا للدّين، أو أنها لا تؤمن بالدّيانات السّماوية مثل اليابان، الصّين والهند وغيرها. وثقافتنا تقول بأنّ الدّين هو أساس العلوم كلّها، دون التفريق بين “العلوم الدّينيّة” و “العلوم الدّنيويّة” مع الإلتباس في مفهوم “العلوم الدّينيّة” والذي يطرح تساؤلات بحاجة إلى إجابات ومنها: هل الدّين والتّشريع علم أم عقيدة؟ في حين أنّ العالم جميعه يعتبر الرّياضيات أساس العلوم، وبغضّ النّظر عن هذا الفهم للعلم وللعلوم، إلا أنّ الكوارث والهزائم التي تعيشها أمّتنا العربيّة والإسلاميّة تدعونا للتّوقّف عند ثقافتنا العربيّة ومفهومها للعلم.
في ثقافتنا العربيّة نطلق على كلّ من يطلق ذقنه ويحفّ شاربيه ويرتدي الجبّة ويضع العمامة “عالما” ولو كان أمّيّا أو شبه أمّيّ، ومع الاحترام العالي لعلماء الشّريعة المتعلّمين والعالمين حقّا بأمور الشّريعة والدّين ويحترمون علمهم ويفهمون الدّين بشكل صحيح، إلا أنّنا نجد بيننا “علماء ودعاة” يسيئون للإسلام والمسلمين، ويتحمّلون العبء الأكبر في المسؤوليّة عن الكوارث التي نعيشها كشعوب وكأمّة. وإلا كيف يمكننا أن نفهم الدّين فهما صحيحا، عندما نقرأ ونسمع ونرى على الفضائيات فتاوي ما أنزل الله بها من سلطان، مثل فتاوي جهاد النّكاح، وفتاوي هدم تراث الأمّة كالمطالبة بهدم الأهرامات والتّماثيل الفرعونيّة في مصر، ومن هدموا ودمّروا بابل وتدمر وغيرها في العراق وسوريّا؟ وفتاوي إرضاع الكبير، وفتاوي نكاح البهائم، وفتاوي الجهاد ضدّ الفرق الإسلاميّة كالشّيعة والعلويّين، وفتاوي إعادة استرقاق غير المسلمين كما فعلت داعش وأخواتها مع والمسيحيّين في العراق وسوريّا، واستباحة دماء غير المسلمين من شعوب المنطقة…إلخ؟ وقد يقول البعض بأنّ هؤلاء عددهم قليل ولا يمثّلون الأمّة، وهذا التّساؤل في محلّه وفي مكانه الصّحيح، لكن لا يمكن تجاهل ما يجري على أرض الواقع وهو أنّ هؤلاء اعتمدوا على فتاوي من “علماء” يتبوّؤون مناصب رفيعة، ونجحوا في تدمير بلدان وقتل وتشريد الملايين من شعوبها المسلمة كما يحصل في العراق، سوريا، ليبيا، اليمن وغيرها. لكنّ هؤلاء “العلماء والمجاهدين” لم يعلنوا الجهاد ضدّ أيّ من الأعداء الحقيقيّين للأمّة!
وعودة مرّة أخرى “للعلماء”، فهل لدينا تعليم حقيقيّ يواكب العصر؟ وهل لدينا علماء في مختلف العلوم الدّنيويّة؟ وهل يتساوى في العلم إمام مسجد مع عالم ذرّة أو طبّ أو هندسة ….إلخ؟ وما مدى مساهمتنا في الثّورة العلميّة والتكنولوجيّة التي يشهدها العالم؟ وهل لدينا علماء لتطوير الزّراعة والصّناعة واستخراج الثروات الطبيعيّة؟ وهل نحن مع العلوم الحديثة أم ضدّها؟
لكنّ السّؤال الذي يطرح نفسه هو: هل نحترم حقّ المواطنة لمواطنينا من غير العرب ومن غير المسلمين؟ وكيف تتعامل حكوماتنا مع الأقلّيّات العرقيّة والدّينيّة في بلداننا؟ وإذا ما وقفنا على الحقيقة المّرة في الإجابة الصّحيحة على هذه الأسئلة فإنّها لن تكون لصالحنا. لكن يجب أن لا يغيب عن ذهننا دولة ماليزيا التي تبنّت العلم والعلماء ونهضت بشكل لافت وشعبها في غالبيّته مسلم لكنه ليس عربيّا، وإيران الفارسيّة المسلمة التي نهضت علميّا وزراعيا وصناعيا بطريقة هدّدت فيه المصالح الإمبرياليّة في المنطقة، لكنّ الدّول العربيّة في غالبيّتها اصطفّت بجانب أمريكا في عداء هذه الدّولة، ووجدنا من “علمائنا” من كفّروا الشّيعة ويدعون لمحاربتهم! تماما مثلما وجدنا من “علمائنا” من يحرّمون الإبداع كالفنّ التّشكيلي، والموسيقى والرّواية والقصّة إلخ. وهل ننتبه إلى أنّ حوالي 25% من شعوبنا العربيّة أمّيّون لا يجيدون القراءة والكتابة؟ وهل ننتبه إلى تريليونات الدّولارات من ثرواتنا التي تصبّ في خزائن الأعداء، وهناك ملايين الجياع والمشرّدين من أبناء الأمّة؟ والحديث يطول.
17-2-2020