عن مكتبة كل شيء في حيفا صدر بداية العام 2020 ديوان”قبل أن يرتعش القلم” للشاعر الفلسطيني حسين مهنا. ويقع الديوان الذي صمّمه وأخرجه شربل الياس في 94 صفحة من الحجم المتوسّط.
حسين مهنا: ولد الشاعر حسين مهنا في قرية البقيعة في الجليل الأعلى ولا يزال يعيش فيها، وهو سليل أسرة كادحة، عمل مدرّسا في مدرسة قريته، وخرج إلى التّقاعد المبكر عام 1992 لأسباب صحّيّة.
كتب حسين مهنا القصيدة العموديّة المقفّاة والقصيدة الحرّة، كما كتب القصّة القصيرة، والمقالة وقصيدة النّثر، وصدرت له رواية لليافعين. وديوانه هذا هو الإصدار الحادي والعشرين له.
من يعرف الشّاعر حسين مهنا، سيجد فيه إنسانا ينضح حبّا وإنسانيّة، فهو إنسان هادئ بطبعه، منحاز لقضايا شعبه وأمّته، وإلى طبقته الإجتماعيّة طبقة الكادحين.
في هذا الدّيوان “قبل أن يرتعش القلم” سيجد المتلقّي نفسه أمام شاعر رقيق مرهف الأحاسيس والمشاعر، شاعر يملك ناصية اللغة ويتغنّى بجماليّاتها. شاعر مطبوع تنساب كلماته كخرير مياه عذب، شاعر يلجأ إلى التّفعيلات الغنائيّة الرّاقصة دون تصنّع، شاعر تنضح قصائده بالموسيقى والإيقاع، فتسحر المتلقيّ وتطربه بيسر وسهولة.
وشاعرنا الجميل الهادئ المحبّ بطبعه راض عن مسيرة حياته، فيقول في قصيدته”صباح شيخ في الخامسة والسبعين”:
” وأفتح عينين زائغتين
كأنّني أعاود رحلة عمري لأشرب أيّامها
وصفة شافية.” ص56.
ويواصل وصفه ليوم عاديّ في حياته:
“وأشرب كلّ صباح جميل
إلى أن يجيء صباح
يقول وداعا
أقول وداعا
وأمضي رضيّا إلى ظلمة الموت.”ص 57.
وهذا يذكّرنا بالرّاحل الكبير سميح القاسم عندما قال وهو يستقبل الموت:
” أنا لا أحبك يا موت لكني لا أخافك.”
ورغم هواجس النّهاية التي تراود الإنسان عندما يتقدّم بالعمر، إلا أنّ شاعرنا يبقى محبّا، وهذا شيء طبيعيّ لإنسان يفهم معنى الحياة، فما بالكم بشاعر مرهف الأحاسيس، لذا نجده يفتتح ديوانه بقصيدة غزل بعنوان”النّادل”، ونلاحظ في هذه القصيدة أنّ المرأة “الزّبونة” هي التي تتغزّل بالنّادل فيقول:
“يكفيه أن تسأل جارتها
من صنع القهوة؟
ثمّ يراها تهديه بعضا من نظرتها.”ص5.
ثمّ يعود للنّادل كي يتغزّل بها، فيردّ عليها بعد أن لحق بها بحقيبتها التي نسيتها على الطاولة:
” قد جئتِ فأحييتِ الحبقَ الذّابل في القلب
مسحتِ عن الرّوح مشقّتها
قال…وناولها مسلوبَ الّلبّ حقيبتَها.” ص7.
والشّاعر المحبّ يصف إحدى النّساء التي تعشق رجلا لا ينتبه لها فيقول على لسانها:
” كيف يمرّ فلا يتلفّت نحوي
وأنا فاتنة الحيّ الأولى..عجلًا عجبا؟” ص17.
لكنّه يعود ويبرّر عدم التفاتة المعشوق لها فيقول في القصيدة نفسها:
” كم كان يسيرا أن تسأل أهل الحيّ
وتعرف سيرته
ولتعلم أنّ العابر رجل يشقى
كي يسعد أسرته
ويجبّ كثيرا
بل وكثيرا جدّا زوجته.” ص19.
وهذه القصيدة تعكس عفّة الشّاعر وحبّه ووفائه لزوجته.
ويتعاطف الشّاعر مع المرأة في مجتمعاتنا الذّكوريّة التي تفضّل الذّكر على الأنثى، فيقول على لسان فتاة:
” ما نفع الحرّيّة للشّاة
وراعيها
يعلفها كيف تشاء
ولكن…يذبحها حين يشاء.” ص22.
ويقول في قصيدة “مهر الحرّة” على لسان الفتاة:
” أبحث عن رجل حين أراه ومن دون كلام
أدرك من دون كلام ما معنى إنسان.” ص33.
والشّاعر مسكون بحبّ مدينة حيفا فيقول بحسرة:
” ونحبّ حيفا واسمها العربيّ
رغم تبدّل الأسماء والدّخلاء
ظلّت تكتب التّاريخ بالعربيّة الفصحى” ص51.
ويقول عن حيفا:
” أقسمتْ أن تبتني وطنا عروبيّا
على وطن تشوّه بالرّطانة والهجانة…
أقسمتْ أن تسدل الأسدال عن زمن رذيل
وتعيد ما تركت لنا الأيّام من زمن جميل.” ص52.
ويكتب الشاعر قصيدة لأيقونة فلسطين عهد التّميمي وأخرى لحفيدته “نسيبة”، وتعج كلتا القصيدتين بالحبّ والتّفاؤل بالمستقبل الباسم.
وفي رباعيّات الشاعر التي عنونها بحروف الهجائيّة العربيّة، وكل منها بأربعة أبيات مقفّاة، يبدو أنّ الشّاعر يكتب شيئا من سيرته ووصيّته، وهذا لا يغني عن قراءتها ما كتبنا عنها في هذه العجالة، لأنّها تستحق البحث والدّراسة.
فتحيّة لشاعرنا الجميل، ونتمنى له الصّحّة الجيّدة والعمر الطويل.
10-1-2020