خلود فوراني سرية –
نظم نادي حيفا الثقافي مؤخرا أمسية ثقافية مع الروائية والمعمارية الفلسطينية سعاد العامري لإشهار ومناقشة
روايتها الصادرة حديثا بالطبعة العربية ” دمشقيَ” عن منشورات المتوسط- إيطاليا، ترجمة عماد الأحمد.
افتتح الأمسية مرحبا بالحضور والمشاركين رئيس النادي المحامي فؤاد مفيد نقارة. وترحيب خاص بالمحتفى بها قادمة من رام الله. ثم هنأ المحتفلين بالأعياد المجيدة متمنيا للجميع سنة مباركة مكللة بالإنجازات والعطاء. قدم بعدها شكره للمجلس الملي الأرثوذكسي الوطني – حيفا لرعايته الأمسية.
تولت عرافة الأمسية بتميّز، الإعلامية نضال رافع فقدمت للمحتفى بها تقديما مؤثرا أنيقا جاء فيه:
“حضرت سعاد وحضرت معها دمشق، ونحن في هذا المساء نشاهد صورا من هناك. سعاد، ها أنت هنا، لأنه أصبح حلما هذا اللقاء بين شقي الوطن، أن تحضر إلى حيفا من رام الله للمشاركة في امسية ثقافية يكاد يكون مستحيلا . فسعاد هنا اليوم، رغم كل حيل الحاضر بألا تكون، هذا الحاضر الذي يختبئ وراء ماكنة معقدة من التصاريح والإجراءات المختلفة التي يتقنها الاحتلال كي تجعل الوصول إلى هنا أقل قليلا من المستحيل “.
أما في باب المداخلات فقدم د. محمد صفوري قراءة نقدية للرواية بعنوان ” بين ماتريوشكا القصّ وبابوشكا الغموض” شارحا قصده بهذا العنوان أن الرواية “دمشقيَ” تجمع بين ماتريوشكا وبابوشكا لما تحوي من قصص كثيرة متداخلةٍ ومتشابكةٍ كتلك الدمية الروسية.
وما بين السيرة الجمعيّة والرواية، ذكر أنه تتقاطع رواية “دمشقيَ” للكاتبة سعاد العامري مع رواية السيرة الجمعيّة؛ لما فيها من مقوّمات عديدة للسيرة وملامحها، كالأحداث الواقعيّة الغالبة على الرواية والموثّقة بتواريخ دقيقة عمدت الكاتبة إلى إثباتها في مواضعَ كثيرةٍ من الرواية، أو الأوصاف الحقيقيّة الدقيقة التي تسلب الأفئدة توقًا لرؤية المعالم العمرانيّة الموظّفة في الرواية خاصّة لمدينة دمشق وقصر البارودي، مسرح أحداث الرواية الأساسيّة، إضافة لعناية الكاتبة في عرض جغرافيّة بلاد الشام ومنطقة حوران وصولًا إلى فلسطين، بحيرة طبريّا، ومدينة القدس، نابلس، وقرية عرّابة ونحو ذلك، ناهيك بالأسلوب المباشر في عرض شخصيّاتها بلغة معياريّة مباشرة؛ ممّا يُشعر القارئ بأنّه يقارب رواية حقيقيّة واقعيّة تمتحُ الراوية أحداثها ممّا تفيض به ذاكرتُها، لتزيدَها قربًا من فنّ السيرة، رغم ما تحوي من أحداث خياليّة جمّة تقرِّبها من الرواية.
تلاه د. حسين حمزة بمداخلة ارتجالية تحدث فيها عن بناء الذاكرة في رواية دمشقي لسعاد العامري مشيرًا إلى أن الذاكرة كوعاء جمعي لا بد لها أن تبدأ من الذاكرة الذاتية وقد ركزت العامري على مصائر ثلاثة أجيال من عائلتها بمرّها أكثر من حلوها. وقد كانت موضوعة الخيانة على المستوى الأخلاقي بارزة فيها مما جعل روايتها أقرب إلى أدب الاعتراف كما نلاحظ أن نوابغ الهرب في بنيته العميقة هو فعل تحرري.
وأضاف، استندت العامري في ذاكرتها عما جمعته من عائلتها من معلومات فالنص يعتمد على الثقة المضمرة بين الكاتبة وعائلتها فضلا عن أن ثلث الرواية الأخير تتحدث فيها العامري عن طفولتها.
وعن اللغة أشار إلى أن لغة السرد تستند إلى عناصر الحكاية فالرواية تحكي قصة عائلتها ببوح يقف عند حدود الشفافية وهي بذلك تقدم الرواية الشخصية على الرواية الفلسطينية التقليدية التي تجعل السياسي مهيمنًا على أحداث النص فالعامري تتقصد جعل السياسي في خلفية الرواية لتجعل الشخصي الإنساني في المقدمة ولكي تكسر نمطية الرواية الفلسطينية. إن مثل هذا الفعل ينفث في روايتها روح الحياة المتحركة على مسرح التاريخ الممتد من دمشق إلى القدس فالشام الكبرى هي الذاكرة الجمعية لجغرافيا المكان التي تحتضن هذا الامتداد العربي والفلسطيني ومجمل القول قد تكون الذاكرة انتقائية واستعادية لكن اختيار العامري للذاتي تأكيد على ما ارتسم في الذاكرة الجمعية أيضا من توثيق لجغرافيا المكان والعادات والتقاليد.
كانت الكلمة في الختام للكاتبة سعاد العامري فأشركت الحضور بطرائف حصلت معها في ظل الاحتلال وبتجربتها في كتابة رواياتها وبظروف ودوافع الكتابة لديها، لا سيما في روايتها الأولى الشهيرة ” شارون وحماتي” – يوميات الحرب في رام الله عام 2004.
تناولت بعدها جماليات رواية ” دمشقي” مشيرة لألمها أن جيل كامل في الضفة والقطاع لا يعرف عن العالم العربي، لأن بوتقتنا الثقافية سُلبت منا.
وأضافت أن خطأنا أننا تحدثنا عن فلسطين كوطن ضائع فدعت لكتابة القصص الشخصية لأنه لدينا مئات آلاف القصص باسم وعنوان.
يجدر بالذكر أن كاتبتنا مولودة لأب فلسطيني من مدينة يافا وأم سورية، وقد نشأت وترعرعت بين عمان، بيروت ودمشق. درست الهندسة المعمارية في الجامعة الأمريكية في بيروت وجامعة أدنبرة في بريطانيا وجامعة ميشيغان في الولايات المتحدة الأمريكية، حتى نالت درجة الدكتوراه .
بقي أن نذكر أنه زين الأمسية معرض لوحات فنية للفنانة التشكيلية رانية عزب.
خلود فوراني – سرية