اقام المركز العربي للتخطيط البديل مؤتمره السنوي الـ 19 حول قضايا الأرض والمسكن، بعنوان “القرى المهجرة والاوقاف العربية: بين التوثيق والمرافعة”، بالتعاون مع لجنة المتابعة العليا واللجنة القطرية لرؤساء السلطات المحلية وجمعية الدفاع عن حقوق المهجرين، في فندق رمادا – الناصرة، امس الثلاثاء 10.12. 2019، بحضور مهيب وبمشاركة العديد من أعضاء الكنيست ورؤساء وأعضاء السلطات المحلية والكوادر المهنية فيها، وممثلي الجمعيات الاهلية وأعضاء ورؤساء اللجان الشعبية من مختلف البلدات والمناطق.
ويأتي المؤتمر السنوي هذا العام تتويجًا لمشروع “توثيق خرائط القرى المهجرة” الذي اختتمه المركز العربي للتخطيط البديل بإصدار “خارطة فلسطين التاريخية الرقمية” التي تظهر تفاصيل المسح الانتدابي للعام 1942 وكافة القرى والمدن والبلدات التي تم مسحها حينها. بتوثيق الكتروني رقمي، يظهر حدود هذه البلدات وتفاصيلها.
الجلسة الافتتاحية:
افتتح المؤتمر سامر سويد مدير المركز، مرحبًا بالحضور ومؤكدًا ان هذا المؤتمر يأتي للمساهمة في حفظ وتوثيق التفاصيل المنسية للقرى والمدن المهجرة والأراضي التاريخية لبلداتنا الباقية، وللمساهمة في تشجيع الروابط الإنسانية بين أبناء شعبنا في مختلف أماكن تواجدهم. وشكر سويد مؤسسة “هيكس ايبير” السويسرية على دعمها للمشروع، وتعاونها المتواصل مع المركز، وقدم تحيات التقدير لمدير المؤسسة في البلاد حكم عوض، ومديرة المشاريع ناديا حرحش، والمديرة السابقة رلى حمدان عثامنة على دورهم وتعاونهم.
وقال محمد بركة رئيس لجنة المتابعة العليا ان مؤتمرات المركز العربي للتخطيط البديل مميزة وتثري مجتمعنا دائمًا، وحيًا المركز على عمله المتواصل في قضايا الأراضي، وفي هذا المؤتمر للتعامل الخاص مع أراضي القرى المهجرة. وقال بركة، إن في هذا المؤتمر نقلة نوعية استثنائية، بتكريس الجهد لقضية القرى المهجرة ورصدها. ومشروع الأرشفة الرقمي لخارطة فلسطين، مع القرى المهجرة هو ليس مشروعا توصيفيا، بل هو شكل من أشكال إعادة صياغة المجتمع المحلي في كل قرية ومدينة، حول المساحة والجغرافيا. بمعنى إعادة صياغة الديمغرافيا المحلية في فلسطين التاريخية.
وتحدث المحامي مضر يونس رئيس مجلس عارة – عرعرة المحلي ورئيس لجنة رؤساء السلطات المحلية العربية، مؤكدًا ان هذا العمل المميز للمركز العربي للتخطيط البديل يشمل الحدود التاريخية لكافة البلدات العربية، وهو يتيح لسلطاتنا المحلية تعزيز مواقفها ومطالبها بتوسيع مناطق نفوذها. هذا سيساعدنا في تطوير وتحسين التخطيط المستقبلي لبلداتنا.
وتحدث محمد كيال رئيس إدارة جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين، مؤكدًا على التعاون والشراكة مع المركز العربي للتخطيط البديل في عدد من البرامج والمشاريع، واهمية هذا العمل في اظهار أمور مخفية عن الاعين، فاعادة خطوط الاحواض والقسائم في القرى المهجرة هو امر في بالغ الأهمية، وشكر الزملاء والطاقم الذي عمل على اعداد الخارطة الرقمية على جهودهم، مؤكدًا على أهمية هذا العمل بالنسبة لابناء شعبنا المهجرين. وتحدث عن تقاطع هذا المشروع مع مشروع عدنا الذي رعته الجمعية واهميته للأجيال الشابة.
وتحدث طارق شبايطة عضو إدارة المركز العربي للتخطيط البديل، مقتبسًا من قصة الكاتب الروسي تولستوي، الأرض الأم، حول اهمية الحفاظ على الأرض، وتحدث عن سياسة سلب الأراضي التي تواجهها الجماهير العربية، واهمية العمل الذي يقوم به المركز.
وتحدث د.صالح نجيدات عضو إدارة المركز، عن واقع مجتمعنا الأليم وآفة العنف التي نواجهها، مؤكدًا انها جزء من الحملات التي تتعرض لها الجماهير العربية في البلاد، وتهدف الى تعزيز الفوضى الخلاقة. واهمية تدعيم مجتمعنا ونضالنا ضد هذه الافة، كما نناضل من اجل قضايا الأرض. وتطرق الى تأثير هذه الافة على الأجيال الناشئة والأطفال خاصة، ووصفها بانها معول هدم خطير، تجعلنا ندور في دائرة مفرغة، وتطرق الى سياسات التمييز الموجهة من السلطات، كوثيقة كينغ، التي نصت على ضرب الوجود العربي في البلاد بشتى الوسائل.
وبعد اختتام الجلسة الافتتاحية تم عرض فيلم قصير عن “خارطة فلسطين التاريخية الرقمية” يفصل حيثيات وتفاصيل الخارطة، ويشرح عن ميزاتها وخطوطها وتفاصيلها المختلفة، وكيفية التفاعل معها في الوسائل الالكترونية.
الجلسة الأولى: “الخارطة الرقمية للقرى المهجرة”
وفي الجلسة الأولى بعنوان “الخارطة الرقمية للقرى المهجرة” التي ادارها شادي خليلية مدير المشاريع والاعلام في المركز، تحدث حول العمل المتواصل على مدار عدة سنوات لتجميع خرائط القرى المهجرة، والعديد من المناطق، ومساهمة المركز في تجديد وتعزيز الذاكرة الجماعية بوسائل عصرية رقمية.
وتحدث د.حنا سويد رئيس المركز العربي للتخطيط البديل، عن أهمية الحفاظ على الوعي والذاكرة، وموازنة الحوار بين التطور المستقبلي والثوابت في الحفاظ على حقوقنا الأساسية، مؤكدًا انه منذ بدايات المركز كان هناك اهتمام بقضايا المهجرين، وتم اجراء عدد من الدراسات المتعلقة بالقرى والبلدات المهجرة. وهناك تعاون مع جمعية الدفاع عن حقوق المهجرين بهذا الصدد.ورغم سخط المجتمع على الوسائل الالكترونية والرقمية الا اننا في المركز نجحنا بترويض هذه الوسائل بشكل ناجح وايجابي جدًا. وقال سويد للمشاركين في المؤتمر انتم خير رسل لقضايانا وتثبيت حقوقنا، انتم القابضين على الجمر في هذا الوطن.
وقدمت مخططة المدن هبة بواردي من المركز العربي للتخطيط البديل عرضًا مسهبًا حول تفاصيل خارطة فلسطين التاريخية الرقمية، والعمل على اعدادها من قبل طواقم المركز، وشرحت عن تفاصيلها وميزاتها، والمعلومات التي توفرها. وصعوبة العمل وتدقيق تحديد المواقع، والاضافات الجديدة التي تضعها هذه الخارطة امام المستخدمين من احواض وقسائم قديمة لمجموعة من القرى المهجرة. وتفاصيل عامة عن كافة البلدات.
وتحدث النائب د.يوسف جبارين عن أهمية هذا المشروع الوطني الراقي الهام، وبارك جبارين جهود المركز والمؤسسات الشريكة في اعداد هذا المؤتمر. وقال ان هذا المشروع يأتي في توقيت حرج في ظل مشاريع تصفية الرواية الفلسطينية، وفي ظل تعزيز دولة إسرائيل للمشاريع التهويدية. وتطرق الى زيارة مقبرة قرية صبارين في منطقة الروحة التي تتعرض للانتهاكات والتجريف، بمرافقة البروفيسور مصطفى كبها ومجموعة من أبناء المنطقة. وتطرق الى أهمية حماية تفاصيل القضية الفلسطينية من الشرعية الدولية، واهمية التنبه الى الجانب القانوني مما يتم تنفيذه على ارض الواقع، وشرذمة ورمس هذه الحقوق، كحق لم الشمل، وقانون المواطنة الذي تصر حكومات إسرائيل على اعتماده. وتطرق جبارين الى أهمية الحقوق الجماعية وفي صلبها قضية عودة المهجرين والاوقاف المسيحية والاسلامية. هذا المشروع يأتي ليصب في صلب خطابنا الحقوقي السياسي ويمنحه المزيد من القوة.
الجلسة الثانية: الأوقاف العربية: التوثيق والمرافعة وسبل العمل
وكانت الجلسة الثانية بعنوان: الأوقاف العربية: التوثيق والمرافعة وسبل العمل، ادارتها د.عناية بنا-جريس المديرة المهنية في المركز العربي للتخطيط البديل، وتحدثت حول الربط بين الخارطة الرقمية واهمية التوثيق، للتعرف على حدود بلداتنا العربية، التي لولا سياسة سلخ أراضيها لكان حيز وواقع الحياة فيها مختلف تمامًا عما هو عليه اليوم. وأكدت على أهمية مواصلة مسح وتوثيق تفاصيل الأوقاف المسيحية والإسلامية، واستخدام التوثيق كآلية عمل لتطوير نضالنا وعملنا لاسترداد وتحصيل حقوقنا.
وتحدث د.محمود مصالحة رئيس المجلس الإسلامي، وسرد عن تاريخ الأوقاف، وتسلسل تفاصيل السيطرة الحكومية على الأوقاف الإسلامية، بعد النكبة، ونقل الصلاحيات الى الحكومة الإسرائيلية بنقلها الى الوصي على أملاك الغائبين. ودعا أعضاء الكنيست الى العمل على الغاء صفقات بيع الأوقاف الإسلامية التي تمت مع لجان الأمناء الأوقاف، وذكر القرار الذي أصدره القاضي هاشم سواعد الذي ينص على الغاء احدى هذه الصفقات، وارجاع هذه الأملاك لأصحابها أي وقفها لصالح المسلمين.
وتحدثت سلوى سالم قبطي، عن الالتماس الذي قدمته للمحكمة العليا لزيارة ضريح والدها الشهيد في مقبرة قرية معلول المهجرة، التي أقيم على انقاضها معسكر للجيش. وسردت قصتها ومعاناتها الطويلة للحصول على هذا الحق الإنساني، خصوصًا وانها عاشت طيلة حياتها مع هذا الشغف لزيارة ضريح والدها فارس، الذي تركها يتيمة، ابان النكبة، وقد ولدت يتيمة ولم تحظ برؤيته، فعاشت على ذكراه تجمع التفاصيل عن سيرته، وتناضل من اجل حقها في زيارة قبره.
وتحدث زكي اغبارية نائب رئيس بلدية ام الفحم، عن اصدار مؤسسة الأقصى مسحًا شاملًا حول الأوقاف الإسلامية، الذي يحوي على تفاصيل ومسوحات للأوقاف الإسلامية في منطقة الشمال، حيث لم يتم استكماله للجزء الجنوبي من فلسطين التاريخية بسبب حظر مؤسسة الأقصى. وتحدث اغبارية عن توثيق الانتهاكات للأوقاف والمقابر الإسلامية، وترميمها خلال سنوات طويلة، حيث نشأ الوعي لضرورة توثيق ومسح هذه الأوقاف. وقد قام بهذا المسح مجموعة من الخبراء والمؤرخين الاكاديميين، وتم اعداد مخطط توجيهي لإعداد هذا المسح، للوقوف على تفاصيل الأوقاف الإسلامية والمسيحية.
وتحدث د.جوني منصور عن الأوقاف المسيحية للكنائس المختلفة المنتشرة في ارجاء فلسطين التاريخية، وقال منصور ان الكنيسة الأرثدوكسية تعتبر ثاني اكبر ملاّك بعد الدولة، وتقدر املاكها بنحو 100 الف دونم. وتسجل أملاك واوقاف الكنيسة باسم رأس الكنيسة، أما الاوقاف المحلية، في العديد من الأماكن، فتسجل باسم المجلس الملي المحلي. وتطرق الى عدد من النماذج في المناطق المختلفة معددًا وسائل وانماط الانتهاكات للمقابر والسيطرة على أملاك الكنائس المختلفة. وذكر ان محاولات قديمة الأمد للسيطرة على هذه الأوقاف، وأكد على ضرورة التنبه لقيمة هذه الأوقاف واهمية رعايتها وإقامة مشاريع لخدمة أبناء الطوائف المختلفة للاستفادة منها، وتطوير رؤية استراتيجية بهذا الصدد.كما اكد في نهاية حديثه أهمية مواصلة اعمال التوثيق لهذه الأوقاف.
وتحدث المحامي عمر خمايسي مدير مؤسسة ميزان، حول التعامل القضائي مع انتهاكات الأوقاف، والالتماسات المختلفة التي تقدمها مؤسسة ميزان ومؤسسات أخرى ضد هذه الانتهاكات، وأكد على استعداد مؤسسة الميزان للتعاون من اجل وقف انتهاك الأوقاف الإسلامية والمسيحية في كل المناطق. وقال خمايسي ان تعامل دولة إسرائيل مع قانون أملاك الغائبين طبق ايضًا على أملاك الأوقاف، واضيف اليه لاحقًا ما يسمى بقانون الحرام – شراء أملاك وعقارات الغائبين، الذي منح وزير المالية إمكانية ما تم تسميته بـ”شراء! ” هذه الأملاك. وتطرق خمايسي الى قضية مقبرة القسام في بلد الشيخ، وشرح بشكل مسهب تفاصيل تأجيرها الى شركة خاصة، واستصدار أوامر وقرارات للسيطرة عليها، وأساليب التحايل على الاحكام الشرعية بملكية هذه الأوقاف وموانع التصرف بها بشكل مخالف للشريعة.
وتم فتح باب الحوار للجمهور، وتحدث محمد سواعد مدير جمعية الأقصى، حول مساهمة الجمعية في متابعة قضايا الأوقاف واجراء مسوحات في العديد من المناطق لحمايتها وتوثيقها. وأكد على أهمية التعاون بين كافة المؤسسات من اجل قضايا الأوقاف وبذل المزيد من الجهود لتوثيقها ومسحها. وقدم عدد من المشاركين مداخلات قصيرة تطرقت الى أهمية مواصلة العمل الجماعي بقضايا الأوقاف لحمايتها وصيانتها وتوثيقها.
وفي ختام المؤتمر شكر د.حنا سويد رئيس المركز الحضور الكريم، وأكد ان أهمية هذا المؤتمر تأتي بمواصلة بذل المزيد من الجهود من اجل حماية حقوق الجماهير العربية على أراضيها، وتخصيص المزيد من الجهود والموارد لصيانة وحماية الأوقاف والقرى المهجرة بالتوثيق والمرافعة في مختلف الجوانب، فنحن القابضون على الجمر في هذا الوطن، علينا ان نصون عهد البقاء والعطاء.