أَنا، والعِياذُ بِاللهِ مِنْ هَذِهِ الأَنا ، تَعَلَّمْتُ سِياقَةَ السَّيَّارَةِ على كِبَرٍ؛ وأَعْتَرِفُ أَنَّنِي أَتْعَبْتُ المُعَلِّمَ الّذي جازَفَ وقَبِلَ تَعْليمِي وأَنا في الخَمْسينِيّاتِ مِنْ عُمْرِي. ومَعْلومٌ أَنَّ السِّياقَةَ تَحْتاجُ إِلى تَناسُقٍ حَرَكِيٍّ، وهذا يَكونُ أَكْثَرَ نَشاطًا عِنْدَ الإِنْسانِ في شَبابِهِ.
والحَقُّ يُقالُ أَنَّنِي أَخَذْتُ رُخْصَةَ السِّياقَةِ بِاسْتِحْقاقٍ بَعْدَ عَشَراتِ الدُّروسِ، وبَعْدَ أَنْ تَعَلَّمْتُ وأَجَدْتُ كَيفَ أُفَكِّرُ بِرِجْلَيَّ لا بِعَقْلِي!
وَأَخيرًا جَلَسْتُ خَلْفَ المِقْوَدِ سائِقًا لا تِلْميذًا؛ وفي أَوَّلِ مَرَّةٍ أَسافِرُ فيها انْطَفَأَ موتورُ السَّيّارَةِ عِنْدَ إِشارَةِ المُرورِ مِمّا أَغْضَبَ السّائِقينَ الَّذينَ وَرائِي إِذْ عَلَيهِمْ أَنْ يَنْتَظِرُوا الإِشارَةَ الخَضْراءَ التّالِيَةَ؛ فَما كانَ مِنَ السّائِقِ الَّذي ورائِي أَنْ صاحَ بِالعِبْرِيَةِ: حِمار!
وفي سَفْرَةٍ أُخْرى في نَفْسِ الشَّهْرِ، وأَنا مِنْ عادَتِي أَنْ أَقودَ السَّيّارَةَ ضِمْنَ القانونِ، سَبَقَتْنِي سَيّارَةٌ مُسْرِعَةٌ، ولِدَهْشَتي نَظَرَتْ إِلَيَّ السَّائِقَةُ وصاحَتْ بِغَضَبٍ، وبِالعِبْرِيَّةِ أَيضًا: أَحْمَق! ولِلْحَقيقَةِ الخالِصَةِ لَمْ أَجِدْ نَفْسِي غاضِبًا بِقَدْرِ ما أَنا مُسْتَغْرِقٌ في تَفْكيرٍ عَميقٍ. وتَساءَلْتُ: تُرى لِماذا يَحْدُثُ هَذا؟ أَمَا لِلطَّريقِ آدابُها؟ لِماذا نَحْنُ مَشْحونونَ دائِمًا بِهَذِهِ العَصَبِيَّةِ العالِيَةِ؟أَدْرِي أَنَّ العامِلَ الإِقْتِصادِيَّ وضِيقَ العَيشِ سَبَبانِ أَساسِيّانِ وراءَ هَذِهِ العَصَبِيَّةِ المُفْرِطَةِ؛ ولكِنْ أَلَيسَ مِنَ الأَفْضَلِ أَنْ تُصْرَفَ هَذِهِ الطَّاقَةُ بِطَريقَةٍ حَضارِيَّةٍ ضِدَّ المَسْؤُولينَ في هَذِهِ الدَّولَةِ بَدَلَ أَنْ نَصْرِفَها على بَعْضِنا؟!
ثَلاثُ شَهاداتٍ حَصَلْتُ عَلَيها في شَهْرٍ واحِدٍ؛ فَكَمْ شَهادَةً يا تُرَى سَأَحْصُلُ عَلَيها في سَنَةٍ!؟
صَباحُكُمْ سُكَّر
حسين مهنّا