خلود فوراني سرية
أقام نادي حيفا الثقافي يوم الخميس 21.11.19 أمسية ثقافية تم فيها إشهار ومناقشة ” ثلاثية الأجراس” للأديب والروائي الفلسطيني ابراهيم نصر الله – “سيرة عين” “دابة تحت شجرة عيد الميلاد” و “ظلال المفاتيح”.
افتتح الأمسية مؤهلا بالحضور رئيس النادي المحامي فؤاد مفيد نقارة، قدم بعدها شكره للمجلس الملّي الأرثوذكسي الوطني – حيفا لدعمه أمسيات النادي أسبوعيا.
كما رحب ترحيبا خاصا ب ” نادي قرّاء عين ماهل” بأعضائه الناشطين ثقافيا الذين حضروا للمشاركة بالأمسية.
تطرق بعدها لثقافة الشكر التي يفتقر لها بعضنا، منوّها إلى أنهم يتعاملون مع الجهود المبذولة على أنها مفهومة ضمنا !
ثم استعرض الأمسيات الثقافية المقبلة داعيا الجميع لحضورها.
رافق الأمسية وزينها معرض فني للفنانة جهينة حبيبي قندلفت. فنانة وُلدت في القدس، نشأت وترعرعت في الناصرة وحيفا. ودرست تاريخ الفن في كلية أورانيم.
بروح والدها طيب الذكر إميل حبيبي، نشأت جهينة على الإيمان بالنفس والمثابرة وخطت طريقها بريشة لا يتقن إمساكها إلاها.
أما عرافة الأمسية فقد تولّتها بجزالة لغتها، وارف ثقافتها وبهاء حضورها الشاعرة فردوس حبيب الله. فقدمت للروائي، أننا أمام كاتب مخلص للذاكرة الفلسطينية، تورط بحب وطنه فلسطين وورّطنا معه.
ومن جميل ما ألقت، كان ما وصفت به نادي حيفا الثقافي برئيسه ومنصته المتاحة للمبدعين اليافعين والتي بهم تتطهر. حيث دعت قبل ذلك الشابة الواعدة الناشطة ثقافيا، ميساء حبيب الله – عضو نادي قراء عين ماهل- لتلقي نصا من مشهد التهجير والتغريبة الفلسطينية من رواية ” ظلال المفاتيح” للأديب ابراهيم نصر الله.
قبل المداخلات كانت الكلمة – عبر السكايب – للأديب ابراهيم نصر الله، فتحدث عن تجربة كتابة ” ثلاثية الأجراس” حيث هي تتمة للملهاة الفلسطينية وامتداد الفكرة.
لكنها تختلف عن الثلاثيات اللاتي عرفناها أنها مكرسة لمدن فلسطين وقراها، هي عن الذاكرة الفلسطينية، والحضور الصهيوني وتتبع الشخصيات الصهيونية فيها طاغ.
كذلك مواضيع الحب، الموسيقى، والتصوير حاضرة فيها بقوة.
وتطرق لأهمية زيارة بل التغلغل في المدن التي نكتب عنها حيث التحدي الأكبر أن نعرف المدينة التي نكتب عنها أكثر من أهلها. فتطرق لزيارته لمدن بيت لحم وبيت ساحور وغيرها…
وأضاف، حياة القضية الفلسطينية مشروطة بنقاء الضمير وصدقه، فإذا فسدنا ضاعت القضية ! لدينا عدو يريد أن يمحونا بالفكرة. نحن ابتلينا بالمنافي لكن سنكتمل بعودتنا ومن بقي في فلسطين سيكتمل بتجربته.
وجملة الختام، الحكايات التي لا نكتبها هي ملك لأعدائنا بالنسيان.
أما في باب المداخلات فقد قدم د. رياض كامل مداخلة حول رواية “ظلال المفاتيح” بعنوان “رواية الذاكرة الفلسطينية”. رواية الذاكرة الحية والمتفاعلة يوميا، فيها نجد صور الماضي ونعثر على شخصيات قيادية. وهي ليست شهادة يقدمها الكاتب في محفل سياسي، بل هي سرد فني يخاطب الروح. ساهمت في حفظ الذاكرة والماضي من الضياع.
وفيها يضيف الكاتب على التاريخ حقولا أخرى تعتمد على الفن التصويري، الموسيقى، العزف والفناء.
ويؤمن بأهمية الرؤيا والرؤية، بأهمية إغناء الفكر لدى العربي ليشعر بالاعتزاز.
وهو نصير للمرأة رائدة التغيير في ساحات القتال وفي مجالات الفن.
الرواية أقرب إلى الواقع وفي خاتمتها تخييل مكثف حتى الفانتازيا. وتوظيف الفانتازيا وسيلة ذكية جدا من الكاتب لينقذ الحلم الفلسطيني والذاكرة من آلة الحرب الإسرائيلية. التي لن تستطيع قتل الحلم والذاكرة.
لتنتهي الرواية بانتصار الرؤيا الفلسطينية على الرؤيا الإسرائيلية.
وفيها يقول الكاتب إن محو البيت والشجر والحجر لا يمحو الظلال.
وما لم تحققه السياسة على أرض الواقع، حققته الرواية في عالم التخييل.
تلاه د. جوني منصور بمداخلة تناول فيها موضوع التصوير الفوتوغرافي وشخصية كريمة عبود المصورة في سيرتين: التصوير الفوتوغرافي كحقيقة دامغة، وكريمة عبود التي غدت بطلة رواية ” سيرة عين” لدى ابراهيم نصر الله.
أما في موضوع التصوير فذكر أن الصورة تنقل لنا الواقع من زمن ماضٍ إلى الزمن الحاضر. إذ لا يبقى من الانسان غير الكلمة والصورة.
وأن الصورة الفوتوغرافية مرآة ذات ذاكرة، وهي بمثابة وثيقة تاريخية.
أتى بعدها على ذكر مصورين فلسطينيين كالمصور (خليل رعد) كمن حافظ على موروث ثمين لفلسطين بتوثيقه حياة الناس.
انتقل بعدها للحديث عن كريمة عبود المصورة الفلسطينية من عشرينيات القرن الماضي، عن نشأتها في عائلة محبة للفنون وعن شغفها بالتصوير. فكانت تملك أربعة استوديوهات للتصوير أحدهم في حيفا (في شارع صهيون).
صورت فلسطين بكامل جمالها من أقصى الشمال إلى أقصى الجنوب، فبينت لنا من خلال صورها أن أرض فلسطين عليها شعب حي، وأن على هذه الأرض ما يستحق الحياة. نقلت لنا صورة شعب وحضارة من أجل البقاء .
كما أثبتت أن للمصور أجندة سياسية وهو منحاز.
وختم، إن نصر الله في نصه الروائي نجح أن يجند المادة التاريخية في خدمة النص، وكريمة عبود استطاعت بكاميرتها أن توثق فلسطين.
وفي الختام كانت المداخلة ل د. لينا الشيخ حشمة، حول كريمة عبود بطلة “سيرة عين” مداخلة شاملة جامعة، مما جاء فيها أنه لما اختارت كريمة أن تكون عينها مرآة لوطنها، إذا هي ليست سيرة كريمة وحدها. هي سيرة من عاش معها على هذه الأرض، وكريمة سعت لتوثيق ذلك، مرددة: الغياب والصورة لا يجتمعان.
وإذا كان نصرالله يكتب الملهاة ليسجل ما غيّب، فإن كريمة قد سبقته بنضالها هذا، لكنه أدرك قوة هذه الأنثى فبعثها من طيات الغياب ليذكرنا..
وختمت، هي رواية تضعنا أمام جدلية الغياب والحضور، إلى أي مدى نستطيع قراءة الحياة في صورة؟ تذكرنا بأن صورنا أقوى من أسمائنا.. تذكرنا بحتمية الموت حيث لا يتبقى منا إلا صورنا، الصور التي تحفظ لنا استمرارنا بعد الموت، وكم من أموات أحياء بذاكرتنا ووعينا وروحنا !
هي الصورة تحكي القصة، هي لا توثق فقط للحظة تاريخية، وإنما تحكي قصة اللحظة دون كلام. صورة واحدة يمكن أن تقول ما تقوله قصة أو أكثر.
وبالتقاط الصور كان الختام، على أن نعود ونلتقي يوم الخميس 05.12.19 في الأمسية الثقافية على شرف الرابطة العربية للآداب والثقافة- فرع فلسطين. بمشاركة د. سعيد عياد- الرئيس الفخري للرابطة، الكاتبة أسمى وزوز- رئيسة الرابطة، ونخبة من الأدباء والشعراء. بعرافة الشاعر أنور خير. يتخلل الأمسية وصلة فنية مع الملحن الفنان أمين ناطور، ومعرض فني جماعي لرابطة الفنانين العرب.