حمل إلي البريد هدية جميلة من الصديقة الشاعرة ابنة عرابة البطوف الجليلية، ميساء الصِّح، وهي ديوانها الأخير الصادر عن دار يافا العلمية للنشر والتوزيع في عمان، ويقع في 120 صفحة من الحجم المتوسط والورق الصقيل وبغلاف مقوى، ويحتوي على تشكيلة من الازاهير الفواحة من بستان الشعر والإبداع.
ويأتي هذا الديوان بعد ثلاث دواوين لها، وهي : سر الحياة، ترانيم الفجر، وفيض الروح “.
والديوان قطرات ندى على ورق الورد، يبشر بموسم عطاء وفير وزاخر، يحمل في ثناياه رسالة وطنية ملتزمة، وتعكس نصوصه روح الانتماء الوطنية والقومية والعروبية الكامنة في نفس الشاعرة ونبضها الوجداني، وملامح الثورة القادمة على الظلم والقهر والاضطهاد والاستعباد واغتصاب الأرض واحتلال الوطن، وتبرز فيه قضية الهوية ومشاعر الحب الصادقة للتراب والوطن والشعب والانسان الفلسطيني المعذب المقهور الطامح بالحياة الاجمل.
نصوصه هتافات في العشق والبوح والوجد الانساني الذي يملأ قلبها وروحها ووجدانها ودواخلها، وألحان شعرية حزينة مشبعة بحرارة العاطفة، وصدق الإحساس، وبطقوس الحب والوطنية الصادقة، وتدل على تجربة شعرية لإنسانة مبدعة مرهفة صاحبة مواقف فكرية وإنسانية تحاول توظيف أدواتها الفنية والجمالية وصورها الشعرية في بناء فني متناسق يحفظ للموقف الفني نصوعه وللمعايير الجمالية مقاييسها.
وفي ديوانها تتنقل ميساء من قصيدة إلى أخرى بذائقة وشغف وبوح في بث الأشواق ودفء الكلمات وعطر الحروف في لحظات التجلي الشعري، وبشعور وجداني عفوي مرهف، بعيدًا عن اللغط والحشو اللغوي والتكلف المصطنع.
وتفيض قصائدها بالرقة والجمالية الفنية والشفافية والسلاسة الآتية من عواطف حسية وروحية مرهفة تجاه الوطن والانسان والقضية والمسائل العروبية والقومية، بالإضافة إلى التناغم بين انتقاء واختيار الكلمات والمفردات البسيطة والتعبير بالغ التأثير الذي يلامس شغاف المتلقي، والأفكار الدالة على عناصر الجمال وسعة الخيال.
فلنسمعها تقول وتهتف في قصيدتها ” عَرَبيَّةٌ هذي أنا ” التي حملت اسم الديوان، وتطفح بالمشاعر القومية، ومن خلالها يصبح الوطن في عيونها وجهًا دائم السطوع والاشراق، تصبو إليه بحرقة ودموع وآلام وآمال :
عربية هذي أنا
وملامحُ الفلاحِ تعجنُ وَجنتَي
عربية هذي أنا
والأرضُ تاجي والسماءُ وسادَتي
والشرقُ داري والحروف هويتي
عربية هذي أنا
والنيلُ نهري قد حَفَرتُ بسدِّهِ التاريخَ من عمرٍ مَضى
بيتي من الأحجار خيرُ مقاومِ
ضدَّ الذينَ يفكرونَ لوهلةٍ أن الكرامةَ تُشترى
أو أنهُ طفلُ العروبةِ يُستبى
بيتي بنتهُ كفَ عمي مُصطفى
هو دفتري سورٌ من الإسفلتِ يقرأهُ المشاةُ
عربية هذي أنا
وعشقتُ أرضي من ربيعٍ للممات
عربيّةٌ وإرادتي كالنهرِ يجري واثقًا
لا لا يُبالي أي شوكٍ عالقٍ أو يستبي جوفَ البحار
إذ يقطفُ الصبرَ المغلفَ بالقنابلِ من عرينٍ للأسودِ وفي الشتاتْ
عربية هذي أنا
وحزمتُ أغراضي بصبحٍ نحو عزمٍ والثباتْ
عربيةٌ وأقولُها ما العمرُ ما؟ !
لا الشيبُ عيبٌ لا ولا حتى إذا مرَ الخريفُ فغيرَ الألوانَ بي
ديوان ” عَربيَّةٌ هذي أنا ” قراءة لمرايا الروح واستشفاف للقلب الهائم، متنوع المواضيع والأغراض والمضامين، وموزع بين الحب والوطن والإنسان والعروبة والتسامح والقضايا الوطنية والعروبية والهموم الإنسانية، يحمل أسمى المعاني الوجدانية والعاطفية والمشاعر الجياشة الصادقة، والتجربة الشعرية المكثفة، والصور الشعرية الرقيقة الناعمة الهادئة، ويقول لنا أن الشعر الحقيقي إذا لم يكن يحمل موقفًا ملتزمًا ورسالة تهدف إلى خير ومستقبل الإنسان ليس شعرًا..!.
ميساء الصِّح شاعرة قضية، تعيش الهم الفلسطيني والإنساني وطقوس العشق والوجع والترحال والسفر بكل خلجة ونبضة في قلبها، عبر نماذج شعرية ناضجة دافئة شفيفة سلسة التعابير وعذبة الكلمات، تستلها من دنيا العشق والالتياع.
أجمل التبريكات والتحيات للصديقة الشاعرة المتأنقة المتألقة شعرًا وحضورًا وابداعًا، ميساء الصِّح، مع التمنيات لها بالمزيد من العطاء والنجاح في مشوارها مع الكلمة الجميلة والتألق أكثر وبلوغ الهدف المرتجى.