حين كنا صغارًا في عمر الزهور، كانت الأعراس حينها قليلة، ولذلك كنا نعد الساعات والأيام والشهور وننتظرها بفارغ الصبر. وكانت الفرق الموسيقية أيضًا قليلة، وليس كما هو الحال في أيامنا هذه، التي تعج بالعشرات من ” الفرق ” الموسيقية التي تحيي حفلات الأعراس.
وقد عرفنا في البدايات الجميلة فرقة المطرب المرحوم عطا اللـه شوفاني/ العيلبوني/ الجليلي، صاحب الصوت الجبلي الشجي الطربي، الذي كثيرًا ما أحيا اعراسًا في قريتي العزلاء ” مصمص “، منها عرس الأستاذ عصمت صالح قاسم شرقاوي، والمرحوم محمود ابراهيم شرقاوي( أبو سهيل) وسواهما.
وكان العملاق عطااللـه شوفاني يصدح بالأغاني الوطنية في خضم ذلك المد القومي العروبي الثوري، وبدايات تشكل الجبهات في قرانا ومدننا العربية، ويطلق العتابا والأوف والميجنا، ويترنم بأغاني مطرب الجبل وديع الصافي. ومن اغانيه الوطنية التي اشتهر بها أغنية ” يا طلت خيلنا “، وكان يجلب معه ابنته ” صباح ” لتشاركه في الغناء وترد معه، وكانت صاحبة صوت جميل وتمتلك موهبة غنائية وفنية ولكن على ما يبدو اعتزلت الغناء ولم تواصل المشوار.
ثم أخذ يحضر معه نجله ” جميل “، الذي ولد وترعرع في بيت يعشق الفن والغناء والطرب، ليساعده في الغناء والرد عليه في حفلات الأعراس التي كانت تستمر ساعات طويلة حتى الهزيع الأخير من الليل.
وكبر الفتى جميل، هذا الشبل من ذاك الأسد، وعمل على تطوير موهبته واثراء تجربته الغنائية، وسار على درب الغناء وشكل فرقة موسيقية بعد وفاة والده، وراح يحيي الاعراس والحفلات في المناسبات المختلفة واحتفالات رأس السنة الميلادية، ونجح في لقاء مطرب الأرز صاحب الحنجرة الذهبية وديع الصافي وتنظيم حفلات له في منتجع طابا السياحي. ولا يزال جميل يحيي أفراحنا ويبهج ليالينا بصوته وأدائه.
لقد صمد جميل شوفاني أمام التجربة، وأثبت أن الجليل قادر كما لبنان أن ينتج مواهب وأصوات غنائية رائدة. فله خالص التحيات والتمنيات له بالحياة العريضة ومديد العمر، والمزيد من العطاء والنجاح في مشاريعه الفنية.
(شاكر فريد حسن)