الكتابة للطفل من أصعب أنواع الكتابة، وتتطلب الالمام بعلم التربية وعلم النفس وعلم الاجتماع لفهم نفسية الصغار ومستوى تفكيرهم، ولها أثر كبير وعميق على الطفل وصقل شخصيته وبلورة قيمه وسلوكه، وتنمية ذكائه ومواهبه، وتعزيز انتمائه للهوية والوطن، وهي رسالة إنسانية هامة وسامية قبل كل شيء.
وفي الأعوام الأخيرة نشهد اهتمامًا واسعًا بأدب الأطفال والفتيان، وصدر كم هائل من القصص في هذا المجال، وظهرت أسماء وأقلام كثيرة، منها ذات أهداف تجارية، وأخرى تحمل في طياتها رسائل انسانية وتربوية للطفل والمجتمع معًا.
وفي خضم وغمرة هذا النتاج الكمي تأتي تجربة الصديقة الكاتبة زينة فخري فاهوم النوعية، ابنة مدينة الناصرة، والمربية المتقاعدة، التي تخوض غمار الكتابة للصغار بموهبتها الابداعية وثقافتها الشمولية المتنوعة وفكرها المستنير المشرق الواعي، حيث صدر لها قبل السنتين عن دار الهدى للطباعة والنشر كريم – كفر قرع، قصة ” الظَّبْيُ المَسْحُور “وهي أول محاولة لها في هذا المضمار، وجاءت بلغة جميلة سلسة واضحة ومبسطة محببة وقريبة إلى الطفل، وتتناول قضية الخير والشر، وانتصار الخير على الشر، والقيم الانسانية الرفيعة الجميلة على القبح والزيف والسلبية والشيطان في داخل الإنسان.
وقبل أيام صدر لها عملان قصصيان عن دار الهدى كريم ايضًا، الأول قصة ” النعجة والحذاء “، موجهة للأطفال في جيل مبكر، ووقعت في 23 صفحة من الورق الصقيل والغلاف السميك المقوى، ورسوماتها للفنانة منار الهرم نعيرات، والتدقيق اللغوي للينا عثامنة، وتحكي عن التقليد الاعمى والشعور بالغيرة، من خلال اصرار النعجة التشبه والتقليد بانتعال حذاء الحصان، الذي كان يحمل الأثقال ويمشي على الأماكن الصلبة فتمزقت حوافر قدميه، وسالت الدماء منه، فعولج من قبل الطبيب البيطري حتى شفي تمامًا ونصحه بانتعال حذاء يحمي حوافره من التمزق، ولم تنجح كل المحاولات لثني النعجة العنيدة الغيورة مهيوبة من انتعال حذاء الحصان، لحين شعرت ووجدت نفسها غير قادرة على تحريك قوائمها، فحضر المزارع وأقنعها أن سبب الآلام التي تعاني منها هو الحذاء الذي لا يناسبها، وطلب منها أن تعطيه إياه لحصانه، فما كان منها سوى الموافقة على طلبه، فقام بنزعه عن قوائمها، وحينئذ شعرت بالراحة وامتلأ قلبها فرحًا وحبورًا، وعادت لتأكل وتشرب ولكن مع بعض الأوجاع الخفيفة.
أما القصة الثانية فهي بعنوان ” اَلْيَعَاقِيبُ ” وجاءت كذلك في 23 صفحة وبالمواصفات السابقة نفسها وهي مخصصة وموجهة للفتيان، وصاغتها بلغة أدبية وشاعرية جميلة، وحس إنساني مرهف، وتتمحور حول الصراع بين الغربان المهاجرة وبين طيور الحجل ” اليعاقيب “، حيث استوطنت الغربان سهولًا وجبالًا ليست ملكها، وأنبتت اعشاشًا على أشجار غيرها حتى خرجت فرخها لنور الحياة، وصارت تعتدي على طيور الحجل، التي ضاقت بها الدنيا وارغمتها على رحلة عذاب وتهجير قسري لمكان يحميها، مع نهاية مفتوحة للقارئ.
ومن يتابع أحداث هذه القصة يشعر ويحس كأنها تروي الحكاية الفلسطينية ومأساة الترحيل والتهجير والصراع بين الاسرائيليين والفلسطينيين، وأمل النازحين بالعودة إلى ديارهم وقراهم المهجرة.
وتتفاوت قصص زينة فاهوم فيما بينها من ناحية الصياغة والتراكيب والجودة والاسترسال في السرد والاحداث، ولكن تجمعها المواقف الإنسانية القيمية، التي تجذب لمتابعة أحداثها، والرسالة التي تحملها وهي تذويت قيم الخير وحب الحياة والسلوكيات السليمة القويمة والجميلة، وتزخر بالأحداث المشوقة، بأسلوب سردي لطيف خفيف ظريف بسيط وجذاب يغري الطفل، واعتماد لغة قصصية سهلة وواضحة، وعرض أحداثها بأوصاف جميلة واستعارات واضحة تناسب الفتيان والصغار.
أما الرسومات في القصص فهي تعبيرية وتضفي عليها متعة وحيوية، وتلفت انتباه الأطفال وتشدهم لقراءتها ومتابعة أحداثها.
وفي الإجمال يمكن القول، أن زينة فخري فاهوم نجحت في تقديم قصصًا واقعية وتربوية هادفة، ذات أبعاد قيمية اجتماعية وتعليمية، مستلهمة من حياتنا العامة وواقعنا، لا تخلو من قيمة وفنية، ستغني بلا شك مكتبة الطفل في بلادنا، وبدوري أشد على يديها لمواصلة هذا الدرب الشائك المليء بالمصاعب، وكلي ثقة تامة بأنها قادرة على تقديم ما هو أفضل دائمًا، وسوف تنتصر القيم الإنسانية التي تؤمن بها وتذود عنها، وسنتمسك بحب الخير والحياة رغم الغيوم والسحب الحالكة التي تغطي سماء حياتنا، وإلى الامام .